محاولة لترتيب الوقت

ثقافة 2021/05/08
...

  حبيب السامر
 
لم أتخلص من عقدة عدم ترتيب أموري قبل وقت من السفر، عادة أترك كل شيء الى وقت قريب، وربما قبل خروجي من البيت بنصف ساعة، هكذا اعتدت تكرار اللوم على نفسي، وأقرر أن أنظم كل شيء قبل ليلة السفر، أعود وأكرر أخطائي، ويربكني الوقت جداً!
الساعة العاشرة صباحاً في مطار البصرة الدولي/ الوجهة الآن الى مطار دبي ومنه الى أبو ظبي.. كنت قد استنسخت سمة الدخول لأكثر من نسخة، الصدمة الأولى بعد ان بحثت في أوراقي عن الفيزا.. فلم أجدها، ربما بسبب ارتباك تحضيراتي، أو تشتت الأفكار لحظة كل سفر أنوي القيام به.
كررت البحث مرة أخرى، لكن الموظفة النابهة، الجميلة التي كانت تجلس خلف كاونتر فحص الجوازات، قالت بهدوء: هل تمتلك نسخة الكترونية؟، في أول الأمر ارتبكت أيضا.. وتذكرت قد حفظتها في موبايلي.. أسرعت الى فتح علبة الصور ووجدت الفيزا، قدمتها لها، لكن الموظف المسؤول الذي كان يقف على مقربة منا، قال: تعال معي لنستنسخها ورقيا، قلت لا بأس لأتدبر أمر سفري.. دقائق قليلة وحولتها اليه عبر الواتساب واعطاني نسخة اضافية، أكملت إجراءات السفر والتفتيش والصعود الى صالة الانتظار...
حين وصلت مطار دبي، فتحت صورة الفيزا في موبايلي الى موظف الكاونتر، ابتسم وقال: أهلا بك.
لم يستغرق الوقت طويلا في المطار، حال خروجي من بوابة المغادرة كان شخصا ينتظرني وهو يرفع ورقة للدلالة، قطعنا مسافة للوصول الى ابو ظبي ربما كانت ساعة وربع بين المدينتين..
أحاول أن أتفحص، وأتذكر ملامح المدينة التي لم أزرها سابقا.. 
كانت الصالة الفارهة لفندق روتانا تعج بالأصدقاء الذين سبقوني من مطار بغداد، ودول أخرى..
وفي اليوم التالي بدأت فعاليات المؤتمر الثقافي، دراسات، كلمات، وقصائد، كل شيء مرتب، الوقت، المكان، الحضور، وما يلفت النظر أكثر ذلك الهدوء أثناء انعقاد الجلسات، فكرت مع نفسي أن أقرأ نصا يكسر رتابة ما قرئ في الجلسة، على الرغم من تجهيز أكثر من نص معي، لكن حال صعودي المنصة، قررت أن أسحب قصيدة (وحدكِ أنت): لا أَرْتَضِي أُنْثَى سِوَاكِ../ ولَسْتُ أُرْضي في الهَوَى أحَداً/ ِسوَى قَلْبِي الذِي يَهْوَاكِ/ قَدَرِي أُحِبُّكِ/ مُذ أَضأْتِ القَلْب مِثْلَ أَمِيرَةٍ../ عُجِنَتْ مِنَ الألْمَاسِ لي../ نُحِتَتْ مِنَ الإحْسَاسِ بي/ صَارَتْ ليَ النَّفَسَ الذي أَحْيَا بهِ / فَي البَحْرِ والأَفْلاكِ... وحتى نهاية القصيدة.
عادة في هكذا مؤتمرات وبعد القراءات الشعرية تقام جلسة محورية تتضمن مشاركات عربية من دول عدة، كان النقاش محتدماً بين ممثلي دولتين، وصل حد تبادل اتهامات وشكوك في المواقف، كان أحدهم يجلس قربي، دار حوار بيننا، حاولت أن أوضح له، بخصوص المؤتمر الذي ينعقد تحت مسمى دولته، تحدثت معه بشكل هادئ، وطلبت منه بعد أن أهديته بعض كتبي أن يبادر بالاعتذار في القاعة الآن، ابتسم وقال: هكذا تكون للعراق دائما وجهة نظر صائبة.. فعلا، دخل الى القاعة وطلب من إدارة الجلسة أن تسمح له بالكلام قليلا، وأمام الحضور المحتشد قدم كلمات اعتذار جميلة للمؤتمر وللشخص من الدولة الأخرى، وسط حفاوة وإعجاب الجميع، كان يتحدث ويده تتجه نحوي!
فعلا، هي وحدها من تكسر أسوار القلب وتزينه بالورد، وترمم بالكلمات متاهة النسيان، في القصيدة أجدك تمسحين عن عيني غبارات التعب، وتمنحين الروح سورة الجمال، في المدن التي زرتها كنت تعويذة، تدلني عليك، ويخفق قلبي كلما قرأت نصا يشبهك!.