الكلمة

ثقافة 2021/05/08
...

حميد المختار 
في البدء كانت الكلمة؛ الكلمة الآتية من (سفر التكوين) بمعنى أن المسيح كلمة الله لأنه لم يكن له أب وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها (كن فكان)، منذ ذلك الحين كبرت الكلمة ورسخت في العقول والأفئدة منذ أن اكتشف الإنسان الكلام وصارت الكلمة تختصر حيواتٍ ومصائر وأفكاراً ومعاني وعقائد ...
وفي القرآن هناك تنويع هائل لهذه المفردة، فأحياناً تأتي بمعنى ماهيَّات الأنبياء كعيسى بن مريم الذي كان كلمة الله، وصار الله يُعلِم أنبياءه معاني الكلمات منذ آدم الذي تلقى من ربه كلمات (وتمت كلمة ربك) هو ما يخص بني إسرائيل ... 
إذاً الكلمة سر مكنون منذ خلق الإنسان ومنذ أن أُنزلت الكتب المقدسة على الأنبياء وكلمة (اقرأ) هي أول كلمة نزلت على النبي محمد (ص) وصارت الكلمات تحمل من القداسة ما تحمله العقول والأديان والنواميس... والذي أثار لديَّ هذا الاهتمام بسر الكلمة وتنوعاتها هو ما جاء في مسرحية (عبدالرحمن الشرقاوي) في مسرحيته (الحسين ثائراً-الحسين شهيداً) والتي أخرجها الراحل (كرم مطاوع) إذ يترنم الإمام الحسين بمعاني الكلمة وماهياتها الذي يقول فيها :”ما دين المرء سوى كلمة، ما شرف الرجل سوى كلمة، ما شرف الله سوى كلمة، وقضاء الله هو الكلمة، الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري، الكلمة فرقان، الكلمة زلزلة الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة « ...
وقد ترنَّم بهذه العبارات فنانون كبار كالفنان (عبدالله غيث) و(نور الشريف) و(سهير المرشدي) و(جلال الشرقاوي) حتى وصلت إلى الفنانين الشباب أمثال (أحمد العوضي) ... وصار موسى كليم الله لأنه كلَّم خالقه وتحولت إلى معنى من معاني الجراح (الكلم والكلوم) ... والكلمة الطيبة صدقة وهي مختصر الكلام والمقال الطويل في المحافل والاجتماعات والمهرجانات، حتى المقالات والوصايا تصبح كلمات تختصر سرداً طويلاً ...
الكلمة تنوعت أيضا بتنوع وتطوُّر الحضارات البشرية في عموم المعمورة فتوزعت في اختلاف قواميس المعاني واستعمالاتها البشرية فصارت معاني دنيوية وآخروية ومنها طبعاً العرفانية والتصوُّف... وعلى العموم ما يهمني هو تطور هذه المعاني التي حوتها الكلمة فصارت هناك كلمات طيبة وكلمات دافئة تحمل رقة وغزلاً، وهناك كلمات مبصرة تحمل فكراً وتنويراً، وهناك أديان وعقائد ومبادئ في الخلق حوتها الكلمة، وهناك فضلاً عن كل هذا كلمات شيطانية وشريرة سامة، كلمات باطنية وغنوصية، كلمات رمزية تحمل معاني الوجدان والحواس، وثمة كلمات تأويلية تساعدك على استغوار الأشياء والإيغال في أعماق المعاني والمدلولات، الكلمة مدٌّ في بحر لا حدود له طالما وجد الفكر واللغة...
والإنسان في بدء الخليقة كلمة وفي خاتمتها كلمة وفي تضاعيفها كلمات لأديان وكلمات لأنبياء قالوا كلماتهم ومضوا، وثمة أحرار قالوا كلماتهم وصارت أجسادهم وأرواحهم ثمناً لها، من (الحسين بن علي) إلى (الحسين بن منصور الحلاج) حتى (جيفارا) وقائمة ثوار الكلمات لا نهاية لها.