عبدالأمير المجر
ليس مستغربا ان تسمع شيخين يجلسان في مقهى شعبي، ويتحدثان في السياسة، وليس مستغربا ان تستشف منهما ان القرار الدولي بيد الكبار، وهذه حقيقة، لكن الزيف يكمن في المبالغة في هذا الامر، لدرجة ان البعض يرى الأنظمة والشعوب كلها، وكأنها مجرد بيادق شطرنج يتلاعب بمصيرها الكبار حتى في المسائل التفصيلية، ويحيلك هذا الطرح التيئيسي الى التسليم بالواقع الذي تعيشه ويجب ان ترضى به، لان التغيير إن حصل فسيكون من الخارج حتما!.. بعد العام 2003 تكرست هذه النظرة، ليس عند بسطاء الناس وحدهم بل لدى النخب الثقافية والسياسية، انطلاقا مما يفرزه المشهد السياسي وعروضه اليومية في الاعلام.. لكن ثورة تشرين صنعت مزاجا مختلفا الى حد كبير، لان اللاعب السياسي الخارجي مهما كان مقتدرا فانه يحسب حساب الحراك الداخلي لأي شعب ويحاول ان يقترب من مزاجه، واذا ماحقق مصلحة مشتركة سيكون هو الرابح على حساب منافسه، وهذه هي لعبة السياسة، ولعلنا بدأنا نلمس معطيات مابعد تشرين التي لم تحقق اهدافها كاملة في التغيير، بانتظار الانتخابات المبكرة
المقبلة. أغلب العراقيين ان لم نقل جميعهم، ينتظرون نتائج مفاوضات الملف النووي الايراني، ويتمنون ان تنعكس نتائجها ايجابيا على العراق، لان الجميع يدرك ما لاميركا وايران من تأثير مباشر على المشهد السياسي والأمني في العراق.. لكن المبالغة في التعويل على المفاوضات وكأننا سلمنا أمر بلادنا للآخرين، يعد نوعا من ثقافة الإتكال السلبية التي يجب ان يتصدى لها اصحاب الفكر والرأي، ويجب التأكيد أن العراق فيه امكانيات كبيرة، بشرية ومادية، وان تفعيلها من خلال الإسهام في بناء مؤسسات الدولة، لاسيما بعد ثورة تشرين المباركة، سيجعل منه رقما صعبا يحسب له الاخرون حسابا، حتى وان كان لهم نفوذ ما فيه، وليس ورقة يتجاذبونها تبعا لمصالحهم.. لقد تغير مزاج العالم تجاه العراق بعد تشرين، ويجب ان يتغير مزاج البعض عندنا ويبتعد عن ثقافة الاتكال هذه، انطلاقا من المقولة العراقية التي يتداولها البسطاء وغير البسطاء.. الحمل ما يشيله غير اهله.. لسنا ضعفاء لكن الضعف في نفوس البعض والتبشير به وفّر مناخا سلبيا استفاد منه الاخرون ودفعنا
ثمنه..!.