شجرة اللا أين

ثقافة 2021/05/09
...

أحمد الزبيدي 
لم يكن الدكتور غالي شكري وحده مَنْ تساءل عن مصير الحداثة الشعرية العربية في كتابه (شعرنا الحديث إلى أين؟) إذ شاركه السؤال الدكتور مالك المطلبي في كتابه (الموقف الشعري إلى أين) وفي ضمنه حوار مع الشاعر عبد الوهاب البياتي .. 
ولم يتوقف السؤال حتى نهاية القرن العشرين؛ فقد كانت إحدى الحلقات النقدية في المربد الشعري بعنوان (الشعر إلى أين؟) ويكاد يكون هذا التساؤل معبرًا عن تعدديات ثنائية: قلق واستشراف وشك وقديم وحديث ومركزية ولامركزية.. تساؤل يعبر عن افتقار النقد العربي الحديث إلى مرجعيات مستقرة ومتينة نابعة من الفضاء الثقافي العربي أو ناتجة عن منهجية استقرائية للواقع النصي الجمالي.
ولعله من الطبيعي أن يضعف الاستشراف في ظل ضعف النظرية المعرفية وميوعة المناهج النقدية، وهيمنة الاحتدام الايديولوجي المنتمي إلى سلطات مركزية وانتماء الثقافة المحلية إلى الثقافة القطرية.. كل ذلك أدى إلى أن تكون العلاقة بين الأوساط الثقافية العربية غير مستقرة وتتوقف على طبيعة النظام السياسي وإجازته الأدبية في تحقيق الفاعلية الثقافية مع الآخر ضمن الرقعة القومية نفسها.. وهذا لا يعني أن التساؤل النقدي كان بمعطيات سياسية فحسب، إنما أيضا بالتحولات الفنية التي لا يمكن أن تكون بريئة عن تحولات سياسية وإيديولوجية تتمثل بالعلاقة مع صاحب النص قبل النص نفسه..  
أظن أن الأزمة الحقيقية هي أزمة السؤال المعبر عن الوعي الإشكالي.. الوعي المدرك لأهمية التحول في ضوء الجرأة على الفهم والمستقر والثابت.. ولكن لا يمكن أن نركن إلى التساؤل وحده من دون (وعي) التحول الذي لا يفارقه الشك والإصرار على التغيير الذي لا ينتصر لأن الانتصار قد يخلق الشعور السلطوي الراكد الذي يطمئن لمنجزه ويسعى إلى معياريته..
 ومن جانب آخر يمكن عد التساؤل تعبيرا عن (وعي) نقدي يتابع التنوع الشعري الهائل وكثرة الأصوات الشعرية التي بدأت تسرح وتمرح وخاصة بعد غياب التأشيرة العروضية للدخول في عالم الشعر (الوزن)، فضلا عن تشظي الحركات الشعرية التي بدأت تسير في طرق مختلفة فمنها ما يحن إلى القديم وعموده، ومنها ما يتجرأ عليه ويدعو إلى هدم الأصنام العمودية، ومنهم من يريد أن يطعم بالأصالة الحداثة.. وهكذا غابت المركزية في الحركة الشعرية فحضرت الـ (إلى إين) تقريرية وإنكارية ونائحة.