التفكيكيَّة.. منهج نقدي مجنون وخطر

ثقافة 2021/05/09
...

  كمال عبد الرحمن
 
في العام 1900 قال نيتشه الألماني (الآن مات الإله.. أين الإله؟، نحن قتلناه!) وفي العام نفسه مات نيتشه بـ (شلل الجنون)، والسؤال: أكان نيتشه قد فقد عقله حينما قال عبارته الشهيرة هذه؟، ومهما يكن من أمر فقد انشطر المفسرون على أنفسهم شطرين، الاول يقول (كلام نيتشه مجازي وليس المقصود الإله الحقيقي.. فبسبب كثرة الحروب والكوارث التي ضربت العالم آنذاك.. رفض نيتشه هذا الواقع الكارثي وقال عبارته الشهيرة عن الإله)، أي أنه ما يشبه عندنا الآن حينما نقول (ماتت الرحمة) و(ضاع الحق) و(انحرف العدل).. الخ.. هذا كلام مجازي طبعا، فالرحمة لا تموت لأن الله أرحم الراحمين والعدل لا يضيع لأن الله هو العادل وكذلك (الحق)، هذا رأي الشطر الأول من المفسرين، أما الشطر الثاني فقالوا (هو يقصد ما يقول.. أي أنه يؤمن إيمانا حقيقيا مطلقا بموت الإله!؟).وقد ارتبطت التفكيكية بالفلسفة، وقد بنت منهجها اعتمادا على مقولة نيتشه سالفة الذكر، إذ يعد ـ الأب الشرعي للتفكيكية ــ واصبحت هذه المقولة الاساس الفلسفي لنقد المركزية لدى التفكيكيين الذين يشككون في المعنى الثابت للنص، ويدعون ان للنص عددا لا يحصى من المعاني، وظهرت التفكيكية (وهي العمود الفقري لنظريات ما بعد الحداثة) عام 1970 في ما يسمى مرحلة (ما بعد الحداثة)، وهي فترة امتدت من العام 1970 الى عام 1990.
التفكيكية شأنها شأن البنيوية، رفضت اي مركز او مرجع للنص مهما كان اجتماعيا تاريخيا نفسيا وغير ذلك، وكما قال الفيلسوف جاك دريدا رائد التفكيكية «التفكيكية حركة بنائية وضد بنائية في آن واحد»: اي تبني وتهدم الى ما لانهاية وهي سلسلة متواصلة من الدلالات»، واهم المصطلحات التفكيكية هي: أولاً/ نقد المركزية وهي ان النص لامركزية ولا مرجعية له، بل هو كيان قائم بنفسه على نفسه، وهو يطابق كلام البنيويين (النص ولا شيء غير النص)، ثانيا/ الحضور والغياب، وقائمة على ان الذوات تحمل مدلولات متعددة (يظهر معنى ثم يغيب ويحضر معنى جديد ويغيب وهكذا، ثالثاً/ الاختلاف والارجاء، واعتمد على مفهوم (هيدجر) عن الكينونة (المعرفة والذات العارفة) وهما يتغيران بتغير عوامل الزمن، ومعناه ان الحقيقة التي نصل اليها اليوم هي حقيقة مرجأة لحين ظهور حقيقة أخرى، رابعا/  الأثر، هو العلامة التي توحي بإمكانية (الاثر والازالة) وهي امكانية المحو لأثر قديم بظهور أثر جديد، خامساً/ قراءة إساءة: كل قراءة جديدة لمعنى لنص تسيء (اي تلغي) المعنى السابق، سادسا/ التشظي وهو تكاثر المعنى بأشكال مختلفة يساعد على ظهر اللعب الحر، سابعا/ اللعب الحر وهو لعب لا توجد قواعد تحد من حريته، وهو يشير الى عدم الثبات وعدم الاستقرار للنص، وأخيرا/ التناص، وهو قراءتنا للنص الادبي تستدعي نصا آخر، إذ ينفتح النص على معاني ودلالات جديدة.
وأهم إجراءات النقد التفكيكي هي البحث عن المتناقضات في النص بوصفها معول هدم لبنيته، والبحث عن المسكوت عنه، ورفع المهمش لرتبة المركزية مؤقتا.
منهج مجنون وخطر
في مناقشة مصطلحات التفكيكية يمكن أن نخرج بعدد من النتائج التي تثبت جنون المنهج التفكيكي وتبين خطورته:
1/ قبل كل شيء المنهج التفكيكي يشتغل على تكرار لازمة واحدة وهي (النص له معنى غير ثابت يتغير باستمرار)، هذه اللازمة هي كل المنهج التفكيكي، وتتغير بصيغ وأساليب مختلفة في اللفظ، لكن المعنى واحد، لذلك يمكن وصف المنهج التفكيكي بالمنهج الأعرج، لأنه يتوكأ أو يمشي على قدم واحدة هي (التكرار).
2/ نقد المركزية: من هنا التفكيكية منهج نقدي خطير لأنها تشتغل على نقد وتفكيك للمفاهيم السائدة، وذلك باعتمادها التشكيك في كل شيء، فقامت فلسفتها على التشكيك وزعزعة كل يقين، كما انطلقت التفكيكية من التشكيك في العلم ثم تحوّل إلى الشك في. شككّت التفكيكية في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول والمعنى المتولد عنهما، وهذا ما لا يقبله المنطق.
إنّ شك التفكيكية في اللغة نتج عنها شك في كل قراءة أو تأويل للنصوص، وهكذا فتحت التفكيكية الباب على مصراعيه لتعدد القراءات، وكذلك تعسف التفكيك في الاحتكام إلى اللغة، وإقصائها الملابسات الخارجية جميعها. إلغاء المؤلف والحكم عليه بالموت، وبهذا يصبح المؤلف ناسخا فقط لنصوص أدبية ويتجاهل مواهب الأدباء وفرديتهم وتميّزهم. ومن هنا نلاحظ ان هذه المناهج كلها تنادي بإعدام المؤلف، وبأفكار أخرى بعضها صعب وبعضها غير منطقي وبعضها خطير.