أجندة التفاهـــة

آراء 2021/05/09
...

 محمد محيي الموسوي
 
في ظل التطور التقني والتكنولوجي أصبح الهاتف المحمول قرين الانسان ويرافقه أينما كان، في حلّه وترحاله، هذا الجهاز الصغير في حجمه الكبير في محتواه، وما يقدمه من معلومات ونسق قيمي واخلاقي أصبح يشارك افراد الأسرة والوالدين في تكوين اتجاهات الأطفال والشباب والمراهقين، خصوصا ان هذا الجيل يعد من أجيال الانترنت فهو نشأ في أحضانه وتربى على ما يقدمه. 
وبعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وما احدثته من طفره كبيرة في نقل الآراء والاحداث وتبادل الآراء وتكوين عالم افتراضي يلتقي به الجميع في وقت واحد بالرغم من تباعد المسافات بين رواد هذه المواقع، فكون هذا اللقاء «عقل جمعي» كان في السابق ربما يحتاج الى عشرات السنوات لتكوينه من خلال اللقاءات والندوات والمناهج الدراسية والكتب لتكوينه. 
هذه المواقع جعلت من الأشخاص التافهين رموزا يحلم كل شاب او شخص الوصول الى ما وصل اليه، فنرى ان بعض الشخصيات تحظى بمتابعة ملايين الأشخاص لا لشيء سوى للمحتوى الهابط الذي يقدمه، والذي في الغالب يقحم خصوصيته ويشارك أدق تفاصيل حياته فهدفه الأول والأخير منها جمع أكبر عدد من الإعجابات  والمشاهدات.
 هذه الرمزية التي خلقها المجتمع لمثل هذه الشخصيات يسأل عليها هو، أولاً لأنه أسهم في تقليص صور النجاح المتعارف عليها كالإبداع في مجال العمل او ابتكار جهاز جديد او انجاز علمي ... وغيرها من معايير النجاح التي كانت تعرف في السابق.
فاذا أردت أن تدمر مجتمعا عليك أن تقلل من شأن الأم وتسفيه المعلم والعالم، وتغيير لغته ومحو تاريخه وانتزاع منه قوميته ودينه، وانشر كل ما هو تافه وسخيف، وهذا الأمور جميعها نجدها الان في مواقع التواصل الاجتماعي. فصار مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي هم الرموز التي يحتذى بهم الآن لأنهم يحصلون على المال بسرعة وبسهولة، حتى ان العديد من الأسر أنشأت لأطفالهم مواقع على التواصل الاجتماعي بهدف نشر يومياتهم على غرار الفاشينستات او مشاهير الانترنت.
فمجرد تصوير محتوى فيديوي مهما كان موضوعه، وحصل على اعجاب او تعليقات من قبل الناس فسوف يحقق الأموال، فهي أصبحت بمثابة تجارة مربحة للغاية من دون خسارة أي أموال فيها. 
وليس الامر هذا في مواقع التواصل الاجتماعي بل تعدى الامر الى وسائل الاتصال الجماهيري التي أضحت تحاكي ما ينشر في مواقع التواصل من قبل البعض وتستعين بهم في البرامج التلفزيونية، ففي كل يوم يخرج علينا شخص مشهور في مواقع التواصل ليقدم برنامجا تلفزيونيا وهو لا يفقه معنى كلمة الاعلام. 
إن وسائل الاعلام مشتركة أسهمت في تقليل ثقافة ووعي المجتمع من خلال ترتيب أولوياته، فالأحداث مختلفة ولا تستطيع ان تقدم جميع الموضوعات والقضايا التي تقع في المجتمع، انما اختار القائمون على هذه الوسائل بعض الموضوعات التي يتم التركيز عليها بشدة والتحكم في طبيعتها ومحتواها، هذه الموضوعات تثير اهتمامات الناس تدريجياً وتجعلهم يدركونها ويفكرون فيها ويقلقون بشأنها، ومن ثم تمثل هذه الموضوعات لدى الجماهير أهمية أكبر نسبياً وبحجم أكبر من القضايا الأخرى التي لا تطرحها وسائل الاعلام، وان ما يطرح الآن على وسائل الاعلام في الأغلب تافهة.