ميادة سفر
تشكل الدعاية والإعلان اليوم جزءاً أساسياً وجوهرياً في العملية الإنتاجية، ومحركاً اقتصادياً مهماً لا بُدّ من الاستعانة به لإيصال السلعة إلى المستهلكين، مستخدمة تقنيات متطورة، واكبت بها التطور التكنولوجي المتسارع، بحيث تؤثر على المستهلك في سلوكه وتوجه أفكاره وتتحكم بخياراته، باختصار إنها تغوي عقولنا بشكلٍ أو بآخر، شئنا الاعتراف بذلك أم لا.
مع بداية الثورة الصناعية وزيادة وتنوع الإنتاج، وظهور وانتشار الوسائل الإعلامية من صحف وتلفزيون، ثم لاحقاً ظهور الانترنت وزيادة شعبيته واستخدام تطبيقاته من قبل الجميع، تحول الإعلان إلى صناعة تقوم بها شركات متخصصة بهذا المجال، وتعتمد في عملها على عمال وخبراء مختصين يعمدون إلى وضع ستراتيجيات إعلانية خاصة بكل منتج يراد الترويج له، متكئين بالدرجة الأولى على المحتوى البصري الجاذب والملفت للنظر، مع إضفاء شيء وربما كثيرٍ من المتعة والإثارة في المحتوى الإعلاني المقدم، بما يسهم في جذب المستهلك والتأثير في عقله الباطن وإغوائه، وتحريضه لتجريب المنتج الجديد والمسارعة لاقتنائه.
ولتتمكن تلك الشركات من تحقيق أهدافها فإنها تعتمد على مجموعة من الأسس من بينها المساحة الكبيرة المخصصة للإعلان، سواء حجم اللوحات الإعلانية الطرقية الكبيرة التي لا يمكن لأي كان أنْ يمرّ بقربها من دون أنْ تلفت انتباهه وتشده، وحتى المساحة الزمنية المخصصة للإعلان على شاشات التلفزيون أو عبر الإذاعات، والتي راجت بشكل كبير أثناء عرض المسلسلات التلفزيونية وبرامج المنوعات التي تحظى بمتابعة كبيرة من الجمهور، فضلاً عن التركيز على الصورة واستخدام الألوان الجذابة والمودلز الجميلة صاحبة القوام الرشيق والإطلالة الأنيقة، ولم تقف شركات الإعلان والمنتجون هنا، بل لجؤوا إلى نجوم السينما والتلفزيون والفنانين ونجوم الرياضة من أجل تسويق منتجاتهم، وغالباً ما يتم اختيار فنانين من الصف الأول أو شخصيات مشهورة لديها جماهيرية كبيرة، والأمثلة كثيرة سواء على مستوى العالم أو الدول العربيَّة.
كل هذا الاهتمام والبذخ المادي جعل للدعاية والإعلان اليوم قوة وتأثيراً كبيرين على المستهلك، ويمكنه أنْ يلعب دوراً كبيراً في توجيه الذوق العام إلى حيث يخدم منتجه ويزيد من استهلاكه، حيث يتم الاشتغال من قبل شركات الإعلان على ترويج ثقافة الاستهلاك وترويض الناس عليها من خلال خلق وطرح منتجات وحاجات وهمية والإيحاء بضرورتها وبالتالي دفعهم لإشباعها بأية طريقة، وبشكل قد لا يتناسب مع الواقع المعاش في كثيرٍ من البلاد، فضلاً عن تضخيم وتفخيم أهمية وجودة المنتج، بما لا يتوافق مع الحقيقة أحياناً، هنا يقع المستهلك ضحية جهله من جهة، وضحية شركات الإعلان التي ما زالت «والحق يقال» تنجح في جذب الناس وإغوائهم.
يوماً بعد آخر... تتحول الحياة إلى سلعٍ تجارية في عالم الإعلانات خدمة لأصحاب رأس المال، من المنتَج كشيء مادي، إلى المستهلك الذي يُجرّ رغماً عنه لمواكبة كل جديد، إلى المشاركين في صناعة الإعلان على اختلاف مهامهم.. والإيحاء لنا أنّ الطريق نحو السعادة يكون بأنْ تمتلك أحدث جهاز موبايل وأفخم السيارات، وتقضي عطلتك في ذاك المنتجع، تأكل ألذ الأطباق، في منافسة غير شريفة بين شركات توهمنا أنّ منتجها يرفع مكانتنا، ويحسن مستوانا الاجتماعي.
في عالم اليوم نعمل لنَستهلك ونُستهلك، بإرادتنا نسير صوب الماديات، نسينا أرواحنا، أخلاقنا، قيمنا، نسينا إنسانيتنا.. حال تنبئ بتحولنا إلى روبوتات آلية في المستقبل، وإلى ذلك الحين لنحافظ على بعض ما بقي من إنسانٍ فينا.. فهل نستطيع إلى ذلك سبيلا؟