الممرضات.. أمهات مطيعات

ثقافة 2021/05/10
...

ابتهال بليبل

جلست المريضة أمام الطبيب بينما الممرضة منهمكة بترتب السرير الطبي. اقترح الطبيب عليها أن تسترخي عليه وبمساعدة تلك الممرضة التي حاولت تجهيز كل شيء بسرعة ودقة. 
باشر الطبيب بفحصها وهو ينظر شزرا بين الحين والآخر نحو الممرضة وكأنه قد فقد تركيزه. ثم بدت علامات الاستياء تغلف ملامح 
وجهه. 
وهو يطالبها بنبرة آمرة وتهكمية رفع الشرشف الأزرق عن الأرض، فقالت وهي ماتزال منهمكة في عملها: آسفة كما ترى أنني أجهز أوراق المريضة. فكرّر كلامه محاولا الايحاء لها بأنها الآن تخالف أوامره في العمل.
كانت كل ثانية تتأخر فيها الممرضة عن رفع الشرشف وكأنها تقدم تساؤلاً عن نوع العلاقات القائمة بين (النساء) من الممرضات و(الرجال) من الأطباء، تلك العلاقات التي تعطل بنظري (فهم الذات التي تتشكّل من نوع العلاقة التي تعتمد عليها).
والحقيقة أنني ومنذ زمن ليس بالقصير أرغب بالكتابة عن الممرضات وعالمهن، واليوم كتبت ربما مدفوعة بأن غدا يصادف اليوم العالمي لهنّ، وهنا لن أتحدث عن وجودهن التقليدي (كملائكة رحمة) بل سأتحدث عن مشكلة نسوية مهمة، أو بمعنى أصح، عن الصور التي من شأنها أن تكون أفضل تمثيلا للسلطة 
الأبوية.
يرى أحد علماء الاجتماع: أن هناك استعارة بين (الطبيب والممرضة) للعلاقات الأسرية (فالطبيب هو الأب، والممرضة هي الأم والأطفال هم المرضى)، أنا أيضاً أرى أن هذا التسلسل الهرمي يُتخذ من العلاقات الاجتماعية الأبوية، بما في ذلك التقسيم الجنسي بحسب العمل، وإنتاج المعرفة المتحيزة للذكور، والمعايير الداخلية للسلوك الأنثوي. وهذا يمثل مشكلة بالنسبة للممرضات. 
لأنه يُتوقع باستمرار من الممرضات، أن يكن "أمهات مطيعات"، وأن يضعن احتياجات المرضى قبل احتياجاتهن.
من هنا تكتسب طاعة الممرضة للطبيب - وإن لم تكن تلك الطاعة من صميم عملها النظري أو العملي- أهمية.. تلك هي المهمة الأساسية للممرضة في ظل الأيديولوجيات التي تساوي التمريض بالأمومة وتنظر إلى المستشفى على أنه امتداد للعمل المنزلي، على وفق النظريات النسوية. 
حقيقة، لن يختفي التقسيم أو التحيز الجنسي بالعمل - سواء في أنظمة الرعاية الصحية أم غيرها- على أساس الأنموذج الأبوي للأسرة (المهارات - الرعاية)، وكذلك ثنائية (الذكور- الإناث) ما دمنا نفتقد لستراتيجيات نسوية مقاومة، ربما ستكون ديناميات النوع الاجتماعي التقليدية وقوتها من أسباب بقائه، فهو لن يحتاج إلى اثبات أن النساء أقل كفاءة من الرجال ليبقى، لأنهن - اقصد الممرضات- نتاج أبوي لثقافة كانت تنظر إلى الرجال تاريخياً على أنهم يتفوقون جسدياً وفكرياً عليهن.
وحتماً، أن الأمر سيستغرق وقتاً وجهداً كبيراً من الممرضات كي يتخلصن من المنظورات النظرية للمجتمع التي تجعل عملهن غير مرئي ولا يقدر بثمن. إن قدرة المرأة على تقييم تفردها في العمل يبدأ بإجادة التعبير عنه والدفاع عنه على وفق شروطها الذاتية، حتى يقدرها الآخر أيضا. 
والشروط التي تتخذها الذات تعتمد بالأساس على نوعية العلاقة التي قد تبدأ بتقبل إساءة لفظية كانت قد شكلتها الجذور الأبوية من دون الدفاع عن النفس.