تأثير التحوّلات الإقليميَّة والدوليَّة في الدول العربيَّة

آراء 2021/05/11
...

  د. قيس العزاوي
العالم من حولنا يتغير ويتقدم ونحن ما زلنا نكرر لماذا تقدموا وتأخرنا؟، ايران على وشك ابرام اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة يضمن لها تعويضات كبيرة وسط ترحاب أوروبي. فيينا وباريس تحتضنا بفخر وغبطة مباحثات أميركية إيرانية أوروبية علنية وسرية للعودة الى الاتفاق النووي ورفع الحصار الاقتصادي على ايران، وفتح أبواب التنمية والتعاون على مصراعيها مع طهران. 
 
تركيا تراجع حساباتها مع جبهة الغرب التي ارتبطت بها طيلة أكثر من سبعة عقود واكتشفت انها مستبعدة، رغم تضحياتها التاريخية، من عضوية النادي الأوروبي ومن الشراكة الستراتيجية مع اميركا بسبب ماضيها العثماني وحاضرها الاسلامي، لذلك بدأت تقترب من روسيا والصين وتبحث عن مخرج ينقذها من 
الضلال!. 
    وتترافق مع هذه التحولات الإقليمية تحولات أخرى دولية تفرضها عدة مستجدات مثل: الدور المتنامي لروسيا في العالم وفي الشرق الأوسط خاصة، والقدرة المتعاظمة للصين وقوتها الناعمة في العالم. 
والتدهور التدريجي المتوقع للاتحاد الأوروبي بسبب خشية التفكك النابعة عن حيرته الستراتيجية على الرغم من كونه نصف الغرب المهمش اميركياً، فقد إكتشف مؤخراً بأنه نزيل المحبسين اي تبعيته للمظلة الأمنية الاميركية، وعجزه عن تمثيل الغرب المحتكري 
اميركيا. 
تضخم اعداد السياديين الوطنيين في صفوفه بارتفاع نسبة اليمين المتطرف الانفصالي عن الفكرة الأوروبية، وهنا يطرح أولياء الامر الالمان والفرنسيون على انفسهم السؤال المحير: ما العمل؟.
تلك صور لمجمل التحولات التي تبدو ستراتيجية وعلى قدر كبير من الاهمية، فالدول الإقليمية وعت حاضرها وتخطط لمستقبلها وترسم تحالفاتها وفقاً لمصالحها وبعض مبادئها.
والقوى الدولية المتنافسة على إدارة العالم تبني قلاعها الدفاعية وتظهر قواها العدوانية والترغيبية لتحقيق أهدافها وعلينا ان نعي التالي:
أولأ: الرغبة الكبيرة لادارة الرئيس بايدن - حسب صحيفة "وول ستريت جورنال"-  بالانفتاح على ايران وتخفيف العقوبات عن الاقتصاد الإيراني في القطاعين النفطي والمالي على الرغم من الغضب الإسرائيلي.
ففي هذه الإدارة عدد من الشخصيات التي ساعدت في انجاز الاتفاق النووي عام 2015 ووصفوه من انجح ما حققته السياسة الخارجية للرئيس السابق
أوباما.
ثانياً: التعجيل في تنفيذ خطة بايدن للخروج الأميركي من الشرق الأوسط (أفغانستان، العراق، سوريا) والتفرغ لمواجهات التحديات الكبرى للصين وروسيا، فالعودة للاتفاق النووي تبدو ملحة بعد ان فشلت سياسة "الضغط الأقصى" التي سمحت لإيران بتطوير قدراتها النووية والتخصيب بنسبة 60 بالمئة، فاصبح النقاش محتدماً كما يؤكد سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن حول قرب ايران من العتبة النووية ويذكر في هذا الصدد رأيين: الأول اقتراب طهران من صنع كتلة حرجة من اليورانيوم 235، لا يعني قدرتها على صنع قنبلة نووية، فإن ذلك يتطلب بضع سنوات، والرأي الثاني يعد أن أهم خطوة تغير قواعد اللعبة هي عندما تتمكن إيران من إجراء تفجير تجريبي، الأمر الذي قد يصبح ممكناً في غضون أسابيع أو أشهر قليلة من تكديس المواد الانشطارية.
ثالثاً: تطوير ايران التدريجي لقدراتها الصاروخية لتصبح مكونا رئيسا لستراتيجية ردعها، وتزويد ايران لحلفائها في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا واليمن بهذه القدرات والتي اضيف لها الطائرات المسيرة لتصبح الصواريخ والدرون اسلحة تمثل التحدي الأكبر للأمن الغربي والاسرائيلي، ومثال ذلك ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن الصاروخ السوري الذي أُطلق في ليل 22 نيسان/أبريل في اتجاه المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة، فقد اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس أن الأنظمة الإسرائيلية المضادة للصواريخ حاولت اعتراض الصاروخ "إس إيه- 5" (SA - 5) لكنها لم تنجح.
 ومن يراقب التحركات العربية والاتصالات السرية والوساطات هذه الأيام ، سيرى من دون عناء ان عدداً من الدول العربية وعت مجمل التحولات الدولية، وأدركت انعكاسات التغيير في السياسة الاميركية على دول المنطقة، وتحركت بسرعة لاعادة النظر بسياستها وأنماط تحالفاتها الإقليمية، فحاولت من جهة تخفيف حدة الخلافات بينها وبين ايران وتركيا والعمل على تسويتها، ومن جهة أخرى تعد نفسها لقطع الطريق امام أية مخططات معدة سلفاً لإيقاعها في صراعات
الاستنزاف.