الرشد السياسي

آراء 2021/05/12
...

 مشتاق جباري 
 
 في السياسة التي تشغلنا كثيراً هناك مراحل معينة للتفكير، وهذه المراحل تخضع لمنطق الذكاء الفردي، او الجماعي، اي محاولة الفهم، وتقسم الى طرق ومسارات لخلق انماط تفكير سياسي وسلوكيات معينة، وليس بالضرورة تمضي تصاعديا، كما تفترض قواعد المعرفة ذلك، فمراحل معرفة السياسة، وحتى الوصول الى سن البلوغ فيها، وما بعده، لاتعدو كونها محطات انتجها ذكاء انساني معين، ومعرفة تجريبية، لاتؤدي الى بلوغ الرشد السياسي بمفردها مالم تكتمل بانصهارها في واحدة من اهم واعقد منظومات العمل الجماعي، الذي لن يبلغه الا الذين لديهم القدرة على ارشاد انفسهم لمعرفة طرق الدراية وبلوغ قلاعها، قد نعتقد، نحن او غيرنا، ان التجربة، والممارسة الطويلة، وقراءة الكتب المتخصصة في المجال السياسي، ومرافقة من يعمل في السياسة، وامتلاك القدرة على التحليل، والاستنتاج، والوصول الى المواقع  والعناوين المهمة في النظام السياسي، وامتلاك القدرة والادوات اللازمة لمخاطبة الاخرين، والعمل في الوسط الحزبي وغيرها، تعني اننا امام تجربة ثرة غنية، وهذا فهم مغلوط وسطحي للسياسة التي هي عملية تتم بمسارين فردي بصياغة فكرية مع وجود القدرة الذاتية الداخلية على بلورة الافكار وصياغتها بشكل يساعد على تنامي معالم واقع جديد، واعني بذلك مساهمة الجهد الفردي في التأسيس لمنظومات عمل سياسي مؤسساتي حقيقي وهذه لايمتلكها اي فرد كان انما هي خصائص وقدرات ذاتية تجتمع لدى افراد قلائل، ومسار اخر يمتاز بجماعيته المؤسساتية التي هي نتيجة من نتائج عمل تنظيمي قائم على اسس  علمية وثقافية صحيحة مع التأكيد على وجود النخبة القادرة على القيام بذلك ومن مسؤولياتها في حالة التأسيس قيادة وادارة عملية التحول نحو المؤسساتية مع الحرص على توسيع قاعدة النخبة القائدة وصولا الى خلق منظومات عمل بملاكات حزبية تفهم فلسفة السياسة وتقدر ضرورات العمل الحزبي والسياسي بوصفهما فكرةً وأداةً، والحرص على عدم تحول هذه النخب الى مجموعات غريبة عن واقعها مستغرقة في افكارها ومفاهيمها فاقدة للصلة والتواصل مع محيطها الاجتماعي، ليس المطلوب ان نجد بيئة مناسبة لخوض العمل السياسي حتى نستطيع القول ان ظروف العمل والانتاج متوفرة ومن ينتظر تحقق وجود بيئة سياسية من دون ان يشارك في صناعتها وصياغتها واستمرار عطائها فهو انما ينتظر فقط ولايمارس شيئا غير الانتظار السلبي كما يفعل غيره ذلك وانه لايمارس مسؤوليته ولايشارك في صنع 
الواقع.