الانتفاضة المقدسيَّة.. ثغرة في جدار الصمت الإعلامي الفرنسي

آراء 2021/05/17
...

  د. قيس العزاوي
يلوح في أجواء الاعلام الفرنسي صمت المذنبين الذين يرون بأم اعينهم المذبحة الفلسطينية ويتحدثون بحزن مريب عن معاناة سكان المستوطنات الإسرائيلية من «الإرهاب الفلسطيني»، هل يمكن انتقاد إسرائيل في وسائل الإعلام الفرنسية؟، سؤال حاول الإجابة عليه آلان مينارغ رئيس تحرير إذاعة فرنسا الدولية عام ٢٠٠٤ وفقد منصبه، باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والستراتيجية بباريس أصدر كتاباً بعنوان «هل من المسموح نقد إسرائيل في فرنسا؟»، وتعرض لأعنف الحملات الإعلامية ورفعت عليه السفارة الإسرائيلية بباريس دعوى قضائية!، فهل من مخرج للانفلات من القبضة الحديدية الصهيونية على الاعلام الفرنسي؟.
 
عدّ سيرج حليمي في كتابه «كلاب الحراسة الجدد» ان الاعلام الفرنسي بأغلبه مدفوع الثمن واعتبر قادة هذا الاعلام كلاب حراسة الشركات الكبرى واللوبيات، واعتبر الفيلسوف ادجار موران ان محاربة الإرهاب لن تنجح بتسليط ارهاب الدولة، ولكن محاربة الإرهاب تتم بتوفير العدالة، وهذه قناعات تسلح بها كتاب وصحفيون فرنسيون مهمون مثل آلان غريش ودومنيك فيدال والمرحومين أريك رولو وجيزيل حليمي وهم جميعهم من أصول يهودية ومن المدافعين عن الحقوق الفلسطينية.
   ولكن هذه أقلية لا يستعان برأيها في وسائل الاعلام الرسمية إلا ما ندر، فحوالي 90 بالمئة من البث الاعلامي للدولة والشركات الخاصة مخصص لدعم امن اسرائيل ونصرتها، والقتل الصهيوني المنظم للفلسطينيين في نظرهم «دفاع مشروع عن النفس»!، ولا يحق للفلسطينيين الدفاع عن النفس لانهم ارهابيون!.
  إن الثغرة في جدار الصمت الاعلامي الفرنسي يمكن تلمس مظاهرها بنحو واضح مع اندلاع انتفاضة المقدس التي أحدثت شرخاً ولو بسيطاً في جدار هذا الصمت وذلك للأسباب التالية:
  أولاً: طبيعة الانتفاضة الجديدة، فلاول مرة منذ نكبة 1948 يتولى الشباب الفلسطينيون داخل إسرائيل زمام الانتفاضة، ولأول مرة ايضاً ينخرط مسيحيو الداخل الفلسطيني بفعالية وبالسلاح ضد القوات الامنية الإسرائيلية، وهو أمر مؤثر جداً على عموم الفرنسيين الذين وان كانوا علمانيين، فخلفيتهم دينية، فمن فرنسا انطلقت اغلب الحروب الصليبية، والى اليوم تجاهر الدولة الفرنسية بعلمانيتها ولكنها تحافظ على عطلها بالمناسبات الدينية، حقيقة ادركها المرحوم ياسر عرفات حين نصح بتعيين سفراء مسيحيين لمنظمة التحرير في باريس مثل إبراهيم الصوص وليلى شهيد والياس 
صنبر.
   ثانياً : من أطلق الانتفاضة؟، لأول مرة لم تكن حركة فتح ولا حركة حماس المسؤولتين عن قيام انتفاضة القدس الجديدة، فقد كان فلسطينيو الداخل هم من اطلقوها، ولأول مرة تجري المواجهات العسكرية بين فلسطينيي الداخل، وهم مواطنون إسرائيليون والقوات الأمنية والعسكرية 
الإسرائيلية.
  ثالثاً: تطلق بعض الاوساط الصحافية والاكاديمية على شباب القدس المنتفضين «جيل نتنياهو» لكونهم لم يعرفوا أحدا غيره في السلطة منذ (1996 الى 1999ثم من 2009 الى اليوم) ويعتبرونه السبب في تمزيق نسيج مواطنيتهم الإسرائيلية، ففي عهده بتاريخ ( 19 تموز/يوليو 2018) صدر قانون يُعرِّف إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي، بمعنى لم يعد لهم مكان في داخل الدولة القومية اليهودية!. 
  رابعاً: الحق مع القوي وتلك مقولة يؤمن بها الغرب عامة والفرنسيون خاصة، والقوي في هذه الانتفاضة المنتصر فيها والدلائل تشير الى ان الفلسطينيين اثبتوا جدارتهم لكونهم أنهوا اسطورة «جيش اسرائيل لا يقهر» واسقطوا تفوق التكنولوجيا الإسرائيلية وفعالية القبة الحديدية التي لا تسمح لطير بالطيران فوقها، فكما ينقل مراسل صحيفة «ويست فرانس» الأكثر حماسا لإسرائيل فإن غزة اطلقت في يومي (11و12 آيار/مايو) 1200 صاروخ خرق 950 منها على الأقل القبة الحديدية!، ولأول مرة أثارت هذه الصواريخ الرعب بين الإسرائيليين وأصابت مطارات ومدن آمنة كما كانت إسرائيل تتفاخر. 
   الثغرة في جدار الصمت الإعلامي حدثت بفعل صحف النخبة مثل «ميديا بارت» و{لوموند ديبلوماتيك» والفرنسيين العرب مثل علي بادو في اذاعة «فرانس انتير» وكريم رسولي في «القناة التلفزيونية الخامسة» اللذين نظما برامج استضافا فيها فرنسيين من أصول يهودية وتطرقوا للسياسة العنصرية الإسرائيلية ونخص بالذكر بروفيسور سامي كوهين أستاذ الجيوبوليتك الذي نشر كتاباً بعنوان» إسرائيل ديمقراطية هشة» وتحدث عن استفراد المستوطنين طيلة عقدين بحكم إسرائيل، تلك ثغرة إعلامية تشير الدلائل الى كونها بدأت وستتسع.