استنطاق النص الشعري القصير

ثقافة 2021/05/17
...

  علوان السلمان
 
 وباستحضار المجموعة الشعرية (عذاب لاينتهي) التي نسجت عوالمها الشعرية انامل الشاعرة منور ملا حسون باللغة التركمانية، وترجمها الشاعر انور حسن موسى.. وأسهمت دار الشؤون الثقافية في نشرها وانتشارها في/2001.. كونها نصوصا لا تركن للسكون والثبات.. مع تفردها بخصوصية التراكيب وفقا لزخم اللحظة التي تحتضن تشكيلات النص التي يغلب عليها الطابع الحسي والجمالي بتوظيف لغة تعتمد مسارين خطيين
متداخلين:
 اولهما الصياغة الاسلوبية.. وثانيهما التعبير الصوري بتوظيف ألفاظ بعيدة عن الضبابية
 والتقعر.      
 
في أعماقي .. انزلقتْ فجأةً
نجمةٌ من كبد السماء
فهجعَ القلبُ النابض
مثل بحر هائج  في صدري.. 
إذن هو الزمن وحده
يتحمل حزنَ قلبي..
 
فالنص يتميز بانفتاحه الشعوري المتفرد بألفاظه الموحية التي شكلت صورا منسابة كنبض جمالي دافق.. فضلا عن اعتماد الشاعرة حيز التنامي التصويري لحركة الطبيعة بموجوداتها عبر رؤى تكثيفية.. ومشاهد ايحائية للكشف عن مثيرات النص الجمالية باقتصاد لغوي واختزال تركيبي معبر عن رؤية جدلية للوجود والأشياء، عبر صور موسومة برومانسيتها الكاشفة عن الحالة الانسانية وعمقها النفسي..
فضلا عن تميزها بتتابع الصور التي تمزج ما بين: المعنى الحسي لإبراز جمالية النص المنبثقة من كينونة اللفظ وتفعيل الاثر الذهني بتجاوز الواقعية (بانزياح معيار اللغة) على حد تعبير جان كوهين.. 
بتشكيل بصري يتحرك وحركة الذات وتحولاتها المنبثقة من معطيات واقعية.. فضلا عن اقترابها من الحكائية بتدفق وجداني يتحرك وسط دائرة الوعي الشعري.
 
اجتاحَ الطوفان
مقصورةَ فكري
وصارتْ وحشةُ الليل 
تعكسُ خرير الأنهار المنتحبة ..
 
فالشاعرة تنسج صورا شعرية محققة لمضامينها الانسانية.. المقترنةً بالمشاعر والأحاسيس التي تؤكد حضورها بتراكيب موجزة متداولة في الحياة اليومية خالقة لمشهدها الشعري القائم على الايجاز والتركيز والرمز الذي احتل اهمية بالغة لما له من شحنة دلالية.. حسيا ونفسيا بصفته دالا اشاريا متصلا بذات الشاعرة فيعبر عن انفعالاتها الداخلية وإسهاماتها الفاعلة في تشكيل البناء الصوري الشعري.. مع ايقاع بصري وانفتاح مكثف دلاليا تكشف عنه المنتجة بأسلوب درامي مؤنسن للأشياء بشعرية تمركزت بها العواطف بمستويات وصور متعددة الدلالات.. فضلا عن اشتغالها بعمق معرفي مستمد من الذاكرة الذاتية والموضوعية..
 
لقد ذاب أولئك الذين مرّوا
أمامي صفوفاً مثل قطعة شمعٍ
وانسابتْ مثل الماء، كلّ أيامي الراحلة
وأمعنتْ عروس النجوم النظر
وقالت: كفى!!  لا تُتعبي الروحَ
فإن رحى الزمان تطحن الذكريات الأليمة...
 
 فالخطاب الشعري يتكئ على فضاء دلالي يخرج باللغة من فضائها العلاماتي الى فضائها التأويلي عبر بنية تغلب عليها الإنزياحات التي منحت النص قدرة انفعالية تتعايش في احضان الواقع وتسهم في تشابك الالفاظ بنهج ايحائي ترميزي كي تخلق الجملة الشعرية الحالمة بصورها المتجاوزة لواقعها.. مما يمكنها من الانفتاح على تقنيات السرد الشعري البصري الذي يتطلب حضور المكان الحاضن للفعل الشعري الذي يقوم على وعيين
ذاتيين: 
أولهما وعي الأنا الشاعرة السابحة في عوالم النص ومنعطفاته المكتظة بالأسئلة.. وثانيهما اعتماد معمارية مازجة ما بين الذات والموضوع بصور ملائمة للحالة النفسية بلغة مسكونة بأبعادها الكاشفة عن
 المعنى..
  وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا تستنطق
اللحظة الشعورية عبر نسق لغوي قادر على خلق الصور الشعرية التي تترجم عمق المشاعر المتناغمة والبناء الدرامي للنص.. الذي يعتمد الالفاظ الموحية.. المتفاعلة مع الذات المنتجة التي تسعى الى تحقيق ذاتها والتأثير بالذات الجمعي الآخر.