شوارع عربية وظلام اقتصادي

آراء 2021/05/18
...

 حسين الذكر 
كثيرة هي مدن وشوارع العرب السياحية المشهورة من شارع ابو نواس على ضفاف نهر دجلة في بغداد، حتى شارع محمد الخامس في المغرب وما وقع بينهما من شوارع عربية اشتهرت خلال عقود خلت. ويعد شارع الحمرا في بيروت اشهرها ومن دلالة (اللون) تعطيه بعدا صاخبا ساهرا حد الفجر بلياليه الحمراء الموغلة في التعبير عن حرية السياحة ومشاهد الانفتاح فيها 
تلك صورة نمطية ترسخت في ذهنية وموروث المثقف والسائح العربي، اذ يمكن ان يقفز الليل والفن والاحتفال الهستيري والفجر في بال المسترجعين لأجمل وجبات السفر والسياحة في دليل شارع الحمرا،  الذي لا يمكن ان نفصل تاريخه وكيفية انشائه بمعزل عن التقييم المؤجند سياسيا، فضلا عن وضعه وموقعه العام من دون ان ننسبه الى بيئته اللبنانية البيروتية، التي اشتهرت بحريتها التي لا يمكن ان تجاريها وتضاهيها حرية اخرى في بلدان ومدن العرب. اذ إن الحرية هنا في بيروت عامة وربما بعض اجزاء من مدن لبنانية اخرى تعد واجهة جلية لتحرر الفكر والسلوك والثقافة، بعيدا عن منطق الاجندة السياسية والتبعية الحزبية المتنوعة بلا غبار تعمية او محاباة انتماء لهذه الجهة او تلك. 
فما أن تحط قدميك في بيروت وتنزل شوارعها وتشرع بخط التماس مع سكانها، تشعر انك تعيش الحرية بكل تجلياتها غير المحسوسة ولا المتجلية في بواطن وظواهر بقية المدن العربية.
في سفرة عاجلة مؤخرا حبانا ووفقنا الله فيها لزيارة بيروت وشارع الحمرا تحديدا الذي تغيرت ملامح العرض النهاري والليلي فيه جراء كورونا، فضلا عن انعكاسات الازمة الاقتصادية التي نثرت اشلاء مشاهدها المقززة وما افرزته تاثيرات المشهد والحصار الاقتصادي وتبعات الحروب والملفات الاقليمية والاجندات الدولية وما رمته من ضحايا بشرية غص شارع الحمرا وبيروت ولبنان بالمتسولين، لاسيما من رمتهم ملفات الحياة والسياسة القسرية هناك من البلدان المجاورة حتى تجلى المشهد بصورة محزنة موخزة للضمير العربي في سدره وتيهه وانكماشه على ذاته الباذخة، في وقت تحول احمرار بيروت الى ظلمة اقتصادية وتداعيات ملفات سياسية وتخوفات امنية واحباطات معنوية متعددة لم تسلب اللبنانيين ولبنان كامل ابهته وعراقته وعنوانه وحريته الحقيقية، التي عصي ان نعيشها ونشهدها بكامل التجلي كما هي عليه في بيروت.