تعددت مستويات الخداع التي تطرح المزيد من الأسئلة في قصيدة لفيليب لاركن

ثقافة 2021/05/19
...

  محمد  تركي النصار
فيليب لاركن شاعر وروائي بريطاني حقق شهرة واسعة بعد صدور مجموعته(سفينة الشمال) التي نشرها في منتصف أربعينيات القرن الماضي، كتب الكثير في النقد الموسيقي خاصة في موسيقى الجاز. وكان يميل الى الانعزال ويكره الشهرة. (خدع) قصيدة مشهورة للاركن تتحدث عن قصة تقشعر لها الابدان. وتركز ثيمة القصيدة على عملية اغتصاب تتعرض لها فتاة شابة، وكيف أن الضحية مع الشخص الذي اغتصبها تتغير حياتهما بعد هذا الحدث.
 
تبدأ القصيدة باستخدام لاركن مقطعا من عمل للكاتب هنري ميهيو، وتتعلق الحادثة باغتصاب فتاة تحكي عن محنتها بعد انتهاء هذا الفعل:
"لقد خُدّرتُ طبعاً، ولم أستيقظ من المخدر إلا في صباح اليوم التالي. رُوعت لاكتشافي بأني اغتُصبتُ، وكنت عصية على المواساة لأيام، وبكيت مثل طفل يوشك أن يُقتل..."/ مَيْهيو: "عمال لندن وفقراؤها".
في المقطع الاول، يصف لاركن حزن المرأة المفروض عليها وهو شيء يتحسسه المتحدث الذي يحاول جاهدا التعبير عنه، ويصف ايضا المشاهد والاصوات حول مدينة لندن التي ربما كانت تصل وتدخل الغرفة التي تمت فيها عملية اغتصاب الفتاة في اشارة الى لامبالاة العالم الخارجي واستمرار الحياة من دون أدنى اكتراث:
بالرغم من البعد، أتذوق طعم الحزن المرير الشائك
الذي جرعك اياه...
وهج الشمس المتقطع
قرقعة العجلات المزعجة
على طول الشارع في الخارج.
في المقطع الثاني يشرح الشاعر تأثير الحادثة على الشخص الذي قام بفعل الاغتصاب الذي اعتقد بأن مهاجمته للضحية ستساعد في اشباع حاجته الجنسية مصورا هنا نوعا مختلفا من الاحساس بالخداع الذاتي كما يشير الى ذلك عنوان القصيدة التي تتناول مستويات متعددة من الخداع لكلا الضحية ومغتصبها مشيرا الى المرأة التي تم الاحتيال عليها.
تتحدث الضحية عن حادثة الاغتصاب الصادمة وماأعقب ذلك من تأثيرات لاحقة على حياتها ونظرة المجتمع اليها، اذ تعتقد بأن حياتها قد تحطمت ولا عزاء ينفعها حتى انها تتمنى لو يتم قتلها للتخلص مما تعانيه من عذاب نفسي.
هنا يحاول الشاعر التأكيد على ان زمن الجريمة هو اطول بكثير مما تم خلال فعل الاغتصاب الفعلي..
ويحاول لاركن من خلال استخدام قصة الفتاة مدخلا للقصيدة تسليط الضوء على فعل ربما يتم اهماله بفعل النسيان. في بداية المقطع الاول من القصيدة يبدأ المتحدث باستخدام حواسه ليجعل القارئ متفاعلا مع الحدث بالرغم من بعده عن مكان الواقعة محاولا تسليط اكبر قدر ممكن من الوضوح على المشهد. 
والحاسة الاهم التي يستخدمها هي التذوق واصفا حزنها بأنه مر ولاذع إذ تتجرع الضحية تلك المرارة وتحملها معها لبقية حياتها بكل مايعنيه ذلك من دلالات جنسية تثير الرعب والغثيان.
وفي الوقت الذي كانت تغتصب فيه تلك الفتاة فإن العالم استمر في فعالياته وكأن شيئا لم يحدث.
اذ يصف المتحدث في القصيدة كيف ان الشمس كانت تدخل الغرفة لتدفئتها ثم ان هناك صوت العجلات على طول الشارع في الخارج واصفا قعقعة صوتها وهي تصطدم بالحصى بأنها مزعجة وتثير القلق.
وفي البيت التالي يركز على ان اغتصاب الفتاة يعني انها أصبحت حسب التقاليد مطرودة ومدانة من قبل المجتمع الذي سينظر لها على انها حطام لاتصلح لحياة طبيعية:
والاضواء الطويلة العريضة التي لاتجيب
تمنع الندبة من الشفاء 
دافعة بالعار للخروج من مكان اختبائه.
وطيلة اليوم البطيء 
عقلك مفتوح مثل جارور مليء بالسكاكين
ويصف لاركن في واحد من تشبيهاته البارعة ذهن الفتاة بأنه يشبه جارورا مليئا بالسكاكين المفتوح طيلة النهار جاهز لأي شخص أن يأخذ منه مايشاء ليتحرى، وفي الوقت نفسه فان الجارور يحتوي على أشياء خطرة وهو السكاكين وهو ليس مكانا امنا لمن يحاول أن يمد يده فيه، وهذا يصف عقل المرأة للأيام والاسابيع والشهور التي أعقبت عملية الاغتصاب. 
ويركز لاركن على ثمن الرغبة وهنا نلاحظ نوعا من القراءة الغريبة، ففي الأبيات الاربعة الاولى يتحدث عن حالة المرأة فيزياويا اذ امضت سنوات طويلة وهي تعيش في العشوائيات حيث الاهمال والنسيان والان تأتي حادثة الاغتصاب لتلوث تاريخها أيضا:
السنوات والعشوائيات دفنتك
ولم يكن بمستطاعي أن أواسيك 
ما الذي يمكنني أن أقول سوى أن المعاناة  موجعة ومستمرة
وحيث تكون الرغبة ذنبا تصير القراءات غريبة 
وقلما يعنيك بأنك الأقل خداعا على السرير
من ذلك المتعثر اللاهث على سلم العلية المهجور.
نرى في اخر أبيات القصيدة بأن المتحدث يركز على خلق مستويات من الخداع محاولا النظر من زوايا تختلف عن افق توقعات القراء والنقاد على حد سواء بطروحات تبقي الباب مفتوحا للمزيد من الاسئلة والتأويلات وربما الاعتراضات أيضا.