شاكر جابر البغدادي

ثقافة 2021/05/22
...

  باسم عبد الحميد حمودي
يوم صدرت روايته القصيرة الاولى (الايام المضيئة) عام 1960 كان معنى ذلك صدور50% من الروايات العراقية ذلك العام الذي لم تصدر فيه الا هذه الرواية ورواية موفق خضر التي صدرت بعنوان (المدينة تحتضن 
الرجال).
 
 
هما روايتان اذاً لكاتبين عراقيين طيلة عام كامل صدرتا على نفقة المؤلفين المغامرين، وهما يختلفان معالجة درامية ومنحى فكريا وتختلف روايتاهما في التناول الدرامي وفي معظم الاحداث والاماكن.
رواية موفق تصور تجربة شاب في المرحلة الثانوية خلال احداث حرب السويس عام 1956 وتأثيرها على الايقاع السياسي العراقي وغلق المدارس خلال التظاهرات، وسفر البطل الى الناصرية هربا من توقع اعتقال شبه مؤكد، ثم تأثير تلك الرحلة عليه مما يستحق معالجة اخرى.
رواية شاكر جابر (الايام المضيئة) تصور تجربة سياسية اخرى خلال احداث فيضان عام 1954 ببغداد، بلغة أكثر سبكا ومعالجة فنية ادق من تجربة موفق الاولى، وكانت حفاوة النقاد بها كبيرة وخصوصا الاستاذ علي جواد الطاهر، ولكني كنت الاسبق في التبشير بها والكتابة عنها في جريدة (14 تموز) الاسبوعية لصاحبتها المحامية نعيمة 
الوكيل.
وكان من حظي ان عقدت فصلين عن الروايتين في كتابي النقدي الاول (في القصة العراقية) الذي صدر عام 1961 باعتباره الكتاب النقدي الثاني في ادب القصة العراقية، وقام الاتحاد العام للأدباء والكتاب مشكورا بإعادة طبعه منذ سنتين، لأنه عدّ واحدا من مراجع الدراسات النقدية الوفيرة التي صدرت بعد هذا رغم قصور التجربة النقدية آنذاك بفعل السن والخبرة.
ولد شاكر جابر البغدادي عام 1929 ببغداد وفي حي الكرادة الشرقية الذي أحبه وكتب فيه وعنه كما سنشير، وهو من اسرة نجفية الاصول كانت تلقب بأسرة (ابو الطابو) نسبة لعمل جده لأمه الشاعر السيد مهدي محمد حسن البغدادي الذي يعد مرجعا دينيا مهما، وقد اصبح شاكر مرجعا مهما في الانساب وتواريخ السادة العلويين وواحدا من نسابة الاسر في الكرادة الشرقية  لتدوينه عدة كتب في هذا المجال منها: انساب الاسر العربية في الكرادة الشرقية بثلاثة اجزاء –تاريخ الكرادة الشرقية  بجزأين، اضافة الى كتابه ( سيرة المصلح جمال الدين الافغاني )
تخرج جابر في كلية الآداب وكان زميلا للدكتور داود سلوم الذي كتب مقدمة رقيقة محتفية بروايته الاولى (الايام المضيئة)، التي لقيت اعجاب النقاد لمتانة الاسلوب وللبناء الفني المحكم الذي اسسه الكاتب وللمادة الدرامية التي تعايش تجربة فيضان 1954 في بغداد، اضافة الى العلاقة العاطفية التي جمعت حبيبين بوضعين اقتصاديين غير متقابلين، يكلل كل هذه الثيمات الانتماء اليساري للبطل خلال تلك الايام المضيئة فعلا في حياة المجتمع البغدادي.
 لم تستطع روايته الثانية (الهارب) أن تبلغ المستوى الفني للرواية الاولى وقد وضح ذلك في الكتابات النقدية عنها بما لا مجال للتفصيل فيه في هذه المقالة القصيرة، فكان أن وجد البغدادي شاكر أن يوسع من اهتمامه بالمادة البلدانية ومادة الانساب،اضافة الى اصداره كتابا عن سيرة المفكر جمال الدين 
الافغاني.
بدأ شاكر جابر بالاعداد لكتابه عن (الاسر العربية في الكرادة الشرقية) بثلاثة أجزاء، ثم أصدر كتابه المهم عن خطط الكرادة الشرقية واسرها وحياتها الاجتماعية عام 1990، وكان بعنوان (من تاريخ الكرادة الشرقية) بتقديم صفيه د. داود سلوم الذي اشاد بالكتاب ومادته العلمية التي وثقت للمكان وللإنسان فيه.
مهد المؤلف لكتابه بمادة عن الانسان والارض أكد فيه تلك متلازمة التاريخ والحاضر الآني الذي سيصبح ماضيا بالضرورة، مع تجوال سريع في معنى الحضارة والمدنية ليدخل الى تاريخ الحضارة في العراق ليقول:
"ومثلما امتدت حضارة حسونة في شمال العراق حضارة سامراء في الوسط، فكانت حضارة اشنونا  في المنطقة المجاورة لبغداد والى ضواحي بغداد الشرقية بالذات، فها أنت ترى أن تل محمد وتل حرمل قريبة من بغداد مثلما هي قريبة من تل خفاجي وتل اسمر وتل اشجالي وتل عقرب"، ثم يفصل في حضارة اشنونا والحضارات الانسانية التي ابادتها الحروب والنزاعات البشرية والتغيرات التكتونية على سطح الارض، لكنه يشير الى أن  صلة حضارة بغداد بحضارة اشنونا كانت قائمة على ارتباط شرق بغداد بديالى، لأنه كان يستقي من (النهروان) ذلك النهر الذي يقول عنه أحمد سوسة أن له ثلاثة مداخل، اثنان منها يتفرعان من جنوب سامراء والثالث من شماليها، ومن فروع النهروان القديم كان نهر الخالص القديم في الشمال ونهر (بين) في الجنوب. 
 يستذكر شاكر جابر في تمهيده أن النهروان كان يخترق مدينة اشنونا، ان جميع القرى والمدن المحيطة كانت ترتوي من مياه تلك الانهار، ومن بين تلك المدن كانت (كلواذى) التي هي اليوم من أصول الكرادة الشرقية.
يقع الجزء الاول من هذا الكتاب في132 صفحة وهو عن ( كلواذى ) بينما يقع  القسم الثاني من الكتاب في 138 صفحة، وهو بعنوان رئيس هو (من تاريخ الكرادة الشرقية قديما وحديثا) وقد حوى الموضوعات التالية: تعريف الكرد وانواعه - الهجرة الى الكرادة الشرقية ــ  اصول اسماء المناطق والمحلات والازقة في الكرادة الشرقية، وواقع الأمر أن كل ما دونه المؤلف عن الكرادة التي احبها يستحق القراءة والتمتع بالمعلومات الغزيرة التي حواها. 
توفى شاكر جابر في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني عام2007، وفقدنا أديبا ومؤرخا بلدانيا مهما وفقدت الكرادة الشرقية نسابتها وموئل خططها واحسابها.