هل أطاح {السبق الصحفي» بأخلاقيات المهنة؟

العراق 2021/05/22
...

 بغداد: هدى العزاوي 
 
يعدّ "السبق الصحفي" أحد أبرز أحلام جميع العاملين في مهنة الإعلام في العالم، إلا أنه حين يتجاوز حدود المهنة وأخلاقياتها بل والمبادئ الإنسانية، فإنه يتحول إلى جريمة بشعة تكون مدعاة للخجل والعار، وهذا ما حدث قبل أيام في أربيل حين تجمع بعض الطارئين على الإعلام حول لاجئ كردي من أصول إيرانية هدد بإحراق نفسه أمام مقر بعثة الأمم المتحدة للاجئين، ليقدم على فعل ذلك دون أن يمنعه المصورون والحضور ولتبث لقطات إحراق نفسه على الفضائيات ومنصات التواصل.
أثار مشهد الشاب الكردي ردود فعل غاضبة ومستنكرة لا للفعل نفسه، ولكن للموقف المخزي الذي اتخذه المصورون والصحفيون الذين كانوا يحيطون به بعدم منعه من الإقدام على إحراق نفسه، فهل بات "السبق الإعلامي" أو المصطلح البائس المقرف الذي يرادفه في العراق "الطشة" مهيمناً على المشهد الإعلامي في البلاد دون حاجز أو مانع أو وازع أخلاقي أو إنساني!؟.
عضو لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب علي سكر الدلفي، أوضح في حديث لـ"الصباح"، أن "اللجنة النيابية لا تسمح بأن تستغل منابر القنوات الفضائية لتكون أداة لتسويق المشاهد التي لا تليق ولا تمت للإنسانية بصلة"، داعياً وزارة الاتصالات وهيئة الاعلام والاتصالات إلى إيقاف جميع القنوات التي تجيز هكذا أعمال وضرورة محاسبتها.
وأبدى الدلفي استغرابه من موقف القنوات التي بثت مشاهد "الشاب المنتحر" والموقف اللاأخلاقي للأشخاص الذين صوروا الحادث المؤلم، مطالباً بمحاكمتهم وفق القانون.
الإعلام الحقيقي والهادف يجب أن يجمع بين صفتين مهمتين، بمعادلة تقول: إن "المهنية العالية تساوي الأخلاقية العالية"، بحسب ما أكد لـ"الصباح" الأكاديمي الدكتور هاشم حسن، "بمعنى أن المهنية أن أنقل الحقائق كما هي دون تدخل وبمصداقية وأيضا بإطار أخلاقي يحافظ على مشاعر المواطن ويحترم خصوصيته وأيضا يبتعد عن العنصرية وإثارة الكراهية أو إبراز عملية العنف".
ولفت حسن إلى أن أكبر وكالات الأنباء في العالم والقنوات الفضائية تكبح جماح الصحفي الذي يحاول التدخل بالحدث حتى يرفعه إلى مستوى عالٍ من الإثارة تحت شعار "السبق الصحفي"، عادّاً أن مراقبة شخص يحترق أو شخص يحاول  الانتحار وبقاء الصحفي وراء الكاميرا لتسجيل تلك اللحظات بمثابة "خيانة للمهنة وخيانة لإنسانية الصحفي فهو إنسان قبل أن يكون صحفياً، والخروج من المعتركين الأخلاقي والإنساني بحجة السبق يعني خروجاً عن المهنية".
مثلما جاءت سنوات ما بعد 2003 للعراق بأجواء جديدة من الحرية في وسائل التعبير والرأي والإعلام، إلا أنها جاءت كذلك بمنابر إعلامية تفتقد لأبجديات العمل الصحفي ومنها الجانب الأخلاقي، وانطلقت من تلك المنابر "جيوش من المرتزقة الذين جعلوا من الصحافة وسيلة للابتزاز والتكسب من المال السياسي والتباهي، ما أفقد الجمهور ثقته بالإعلام"، بحسب تعبير الدكتور هاشم حسن الذي دعا إلى "ثورة مهنية لإصلاح عالم الصحافة وإعادة صاحبة الجلالة إلى عرشها الحقيقي"، كما طالب بإعادة النظر في القوانين والتشريعات الحالية الخاصة بعالم الصحافة والإعلام.
في تسعينيات القرن الماضي حاز "كيفن كارتر" المصور الصحفي من جنوب أفريقيا، جائزة "بوليتزر" العالمية عن صورته الشهيرة "طفلة مجاعة السودان"، إلا أنه أقدم على الانتحار بعد نيل الجائزة لتأنيب ضميره وتركه تلك الطفلة فريسة لنسر فاتك حط بقربها لحظة التقاط الصورة.
يشار إلى أن هيئة الاعلام والاتصالات أحجمت عن ابداء رأيها لـ"الصباح" في هذا الحادث الخطير بحجة عدم وجود مخول للتصريح.
العمل الإعلامي يتحول إلى شريك في الجريمة في بعض الأحيان، وفي ذلك قال القاضي ناصر عمران، في حديث لـ"الصباح": إن "نشر صور لقتل وعمليات الانتحار التي تنشر كمقاطع في مواقع التواصل الاجتماعي وتؤخذ منها أحياناً وتنشر في القنوات الفضائية وأحيانا القنوات تكون شاهداً على حالة انتحار وتقوم بتصويرها، أعتقد أن ذلك العمل غير إنساني ويعاقب عليه
القانون".
إحدى المواد التي تنطبق على هذا الفعل المادة 210 من قانون العقوبات العراقي لعام 1969 النافد (يعاقب بالحبس وبغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمداً أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة ومغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة).
ورأى عمران أن "مشاهدة شخص يقوم برش مادة حارقة أمام أنظار الكاميرات وحرق نفسه دون أن يبدر شيء من الموجودين، عمل غير أخلاقي ويعد، من وجهة نظري، موقفاً للمساعدة على الانتحار والذي يدخل من ضمن أبواب المادة 408 التي تعاقب بالسجن 7 سنوات لمن ساهم بانتحار الشخص".