إعادة كيتس إلى الحياة بعد 200 عام

ثقافة 2021/05/24
...

  آنا روسيل
     ترجمة: بهاء سلمان
إذا كان بمقدور الشاعر جون كيتس، النقي، والضعيف البنية، والمتعب بسبب المرض لفترات طويلة من حياته القصيرة، التكلّم إلينا من وراء القبر، ماذا عساه يقول؟ وبتركيز أكثر، كيف سينطق كلماته؟ لم يتحدث كيتس مثل معاصريه المولعين بذلك، وهم لورد بايرون وبيرسي بيش شيلي.
 
كان كيتس يتكلّم مثل إبن صاحب خان، وكرجل تدرّب كجرّاح وكصيدلي، وهذا ما كان هو عليه. كانت أساليب الكلام الكلاسيكية هي السائدة بين متنمري المدارس الأدبية آنذاك، وهو لم يكن على عكس ذلك. سنة 18181، وبعد نشره لقصيدته «انديميون» (Endymion)، تم السخرية منه كشاعر متدنّي الطراز الذي عبر عن “الأفكار الأكثر تناقضا باللغة الأكثر غرابة”. 
وهجاه المنتقدون بسبب خلفيته وثقافته، وبسبب ابتذاله الملموس، و”قوافيه التعيسة”، ليصل الهجاء بأحد النقاد إلى نشر الكلام التالي بحقه في إحدى المجلات الأدبية الصادرة آنذاك: “من الأفضل والأكثر حكمة للمرء أن يكون صيدليا جائعا بدلا من أن يكون شاعرا جائعا، ولذلك عليك بالعودة الى الصيدلية يا سيد جون، إرجع إلى لصقات الجروح وحبوب الدواء وعلب المراهم”.
 
صراع نقدي
لا أحد يرغب بالمراجعة السيئة، لكن هذه الهجمات تبدو شخصية، فهي ربطت بين الحكم الأخلاقي والأدبي معا، وفقا لكاتب سيرة كيتس اندرو موشن. بذل كيتس كامل جهده للتظاهر بعدم اكتراثه، كاتبا، برسالة إلى صديق له، أن “لا يملك المديح أو الذم إلا تأثيرا سريعا على الرجل الذي حبّه للجمال بشكل مجرّد جعله ناقدا لاذعا لأعماله الخاصة”.
لكن غالبية المجتمع الأدبي لم تصدقه. وبعد وفاته بسن مبكر، 25 سنة، أشار المقربون من حلقته الأدبية الى المراجعة المنشورة في المجلات كنقطة تحوّل لصحته المتدهورة. ووصل الأمر بالشاعر شيلي بوصف حالة زميله بالمروّعة، ونتج عن عذابات معاناته المبرّحة على المدى البعيد تمزقا في الأوعية الدموية للرئتين. كما أضمن الشاعر بايرون مرثاة كيتس بملحمته الشعرية “دون جوان”، واصفا وفاته بأنها عملية قتل على يد أحد النقاد.
لم تكن تلك المقالة الناقدة هي حقا من قتل كيتس، فقد مات بسبب إصابته بمرض السل، الذي ربما أصيب به بسبب رعايتها لأخيه توم. 
ويصف موشن كيتس في نهاية حياته بالمحبط والمهووس بمنتقديه بشكل متزايد. وبناء على نصيحة أطبائه، سافر بحرا إلى إيطاليا، بحثا عن طقس ألطف. لكن الرحلة كانت كارثية، فانتشار التيفوئيد في انكلترا أدى إلى حجر كيتس قسرا لعشرة أيام داخل سفينة صغيرة ومكتظة. في روما، أقام بغرفة داخل قبو السلالم الاسبانية، وطلب منه إجراء حمية صارمة تتألف من الخبز ونوع من السمك فقط، مع الراحة التامة.
 
رد الهجاء
أصابه هذا الأمر بالإنزعاج، وولد عدم رغبة بالقراءة، أو كتابة رسالة ما. وقال لصديق له: «لدي شعور سائد بكون حياتي الحقيقية قد انتهت، وأنا أعيش تجربة ما بعد الموت.» حينما مات، بعد عدة أشهر، دفن تحت كلمات أريد بها هجاء منتقصيه. وكتب على شاهد القبر التالي: «يحتوي هذا القبر على كل ما هو فان، لشاعر انكليزي شاب، الذي، وعلى فراش موته، وسط مرارة وجع قلبه، ووسط القوة الخبيثة لأعدائه، رغب بوضع هذه الكلمات أن تنقش على بلاطة قبره. هنا يضطجع شخص كتب اسمه بالماء».
كيف تحدث كيتس بعد تركه لفراش الموت كان قد أثير مؤخرا من قبل رابطة إحياء ذكرى كيتس وشيلي المتّخذة من المنزل، الذي توفى فيه كيتس داخل روما مقرا لها. وخططت المنظمة، شأنها شأن المنظمات الاخرى المهتمة بالشاعر كيتس، سلسلة من الأحداث واللقاءات بمنسبة مرور مئتي عام على وفاته؛ وسوف يتم الإحتفاء بالشاعر شيلي السنة المقبلة، حيث مات غرقا سنة 1822، وفي جيبه كتاب لشعر كيتس.
عندما مات كيتس، ترك خلفه عدة أقنعة جصية لوجهه أثناء حياته، وقفاز واحد وقناع موت مستدق. وبحثت اليكسي كارينوفسكا، اختصاصية الفيزياء لدى جامعة اوكسفورد، بالدراسات الصورية المفصلة لتلك الأقنعة لإنشاء «محاكاة رقمية» لوجه الشاعر. وإستعانت بتماثيل نصفية صنعت لكيتس أثناء حياته، يحدّق بشكل غامض لما موجود خارج النافذة، أو يتنهّد بشدة على رأسه، كي تكمل التفاصيل الغائبة. وكنت بعض الأجزاء من وجهه أصعب من غيرها، فالأنف مثلا كان معروفا شكله، لكن هل كان ليّنا؟ هل كان نوعا من الأنوف العظمية، أو ليس عظميا بشكل كبير؟»، تتساءل كارينوفسكا.
مجلة نيويوركر الأميركية