نظرة في تجربة آنا كارسون المتمرِّدة ضد نمطيَّة الشكل والمضمون

ثقافة 2021/05/25
...

  محمد تركي النصار                        
 
آنا كارسون شاعرة وناقدة ومترجمة واستاذة جامعية كندية ولدت عام 1950 في مدينة تورنتو. عرفت كارسون بكتب عديدة حققت حضورا واختلافا كبيرين في نسيج الادب الكندي المعاصر وهيأتها للحصول على شهرة عالمية واسعة، وصار اسمها يطرح من بين أبرز المرشحين للفوز بجائزة نوبل خلال الأعوام الماضية.
تميزت كارسون بجرأة تناولها لدوافع واصول الرغبة الايروتيكية وطبيعة النص الادبي المعبر عنها، وعلاقة ذلك بكيفية اشتغال الخيال الشعري والعاطفة المركبة التي تغذيه بأسلوب غير مألوف بالنسبة لقارئ تميل ذائقته الى نوع من المحافظة، لذلك يوصف شعر كارسون بالتعقيد والغموض من قبل بعض النقاد الذين يكتبون بالإنكليزية داخل كندا وخارجها.
ويعزو بعض القراء الذين ينحازون لطريقتها في الكتابة صعوبة نصها الى ميلها للتناص مع التراث الاغريقي والثقافة اللاتينية من جهة والى خوضها في تفاصيل وتعقيدات الثيمات المسكوت عنها.
وتتقصى كارسون في نصوصها عوالم الشاعرة (سافو) المشهورة بجرأتها، واصفة مشاعر الرغبة بأنها مزيج من الحلاوة والمرارة، المتعة والألم، مركزة على ان هذه الثيمات تنتمي للحظة، كأنها توقف وانقطاع للزمن، وتعطيل للإرادة بكل المشاعر المتناقضة المصاحبة من فرح ونشوة وندم وحيرة، وكيف يتاح لهذه العاطفة أن تأخذ شكلا مناقضا أحيانا وتتجه للعداء والبغض والاصطراع في أحيان اخرى.   
إن خوض كارسون الشعري في غمار هذه المضامين التي تتسم بالغموض والتوتر ليس تعبيرا عن حرية الموقف والجرأة في التناول فحسب، بل انه يستدعي نوعا من الشكل الأدبي المغاير، اذ ان كارسون تحاول بنصها المختلف التعبير عن شغف متجذر في تناول الشبق والايروتيكية معززة ذلك باجتراح جماليات نص جذاب يحقق درجات متفوقة من الجاذبية للقارئ الواعي الذي يعرف كيفية الولوج لهذا النص والتفاعل الخلاق معه.
بدأ نجم آنا كارسون يسطع مع نشرها لكتاب (ايروس شاعرية الرغبة) الذي يمكن أن نعده رحلة بحث وتقص وحرث في طبقات موضوع أزلي، حيث الحب يتأرجح بين الظمأ والاشباع، والرغبة تتوتر بين الحسي والروحي، وكيف انها قد تستنزف طاقة الجسد وربما تخلخل السيطرة على الإرادة، لكنها اساسية لإدامة التعلق بالوجود وتعميق وعينا وحسنا العميق به.
بعد كتابها الأول الذي مزجت فيه الفلسفة الكلاسيكية بالحكمة اللاذعة والمفارقة أصدرت كارسون كتابين مهمين من الشعر المختلط بالمقالة، وقد عدها الناقد الاميركي الأبرز في العصر الحديث هارولد بلوم الأهم شعريا في لحظتنا الراهنة.
وفي أعقاب صدور كتابها (جماليات الزوج) الذي يتألف من تسعة وعشرين مقطعا، أصبحت كارسون المرأة الاولى التي تحصل على جائزة اليوت الشعرية، فضلا عن عدد آخر من الجوائز الأدبية الكندية لاسيما بعد تحقيقها نجاحا لافتا رافق نشر كتابها المثير (سيرة الأحمر) وهو رواية شعرية فيها احتدام فكري وشعري وجرأة في البوح تثير الاعجاب.
كتاب كارسون الأخير (نوكس) أو (الليل) شكل هو الآخر مفاجأة أيضا وهو عبارة عن مرثية كتبتها الى أخيها وفيه ذكريات وصور ورسائل ورسوم ويتضمن تأملات في الغياب.
وكما كتبت في المقدمة: أردت أن أملأ مرثيتي بجميع أنواع الضوء.
وبإمكان القارئ المعني بمفاهيم الحداثة ومابعدها أن يضع جملة كارسون الأخيرة في سياق سعيها لإنتاج نص يلغي الحواجز بين الأجناس الأدبية وينفتح على المناطق المنسية في طبقات الحس والوجدان لا ليبقى محبوسا داخل الشكل المسبق والبلاغة المتوارثة بل ليعمق العلاقة مع واقع يضج بالمهمل والمنسي والمسكوت عنه بجرأة وفية للحرية بمعناها المتجدد الخلاق.
 
(1) المقالة الزجاجية
أستطيع سماع نقرات داخل حلمي.
الليل يقطر من حنفيته الفضية
في الخلف..
عند الرابعة صباحا أستيقظ  
أفكر في الرجل الذي غادر في أيلول 
وكان اسمه لاو.
وجهي في مرآة الحمام
فيه خطوط بيضاء
أغسل وجهي وأعود الى السرير.
غدا سأزور امي.
 
(2) هي
هي تعيش وحيدة
 في مستنقع في الشمال
ينفتح الربيع هناك مثل شفرة
أسافر اليوم كله في القطار
وأجلب الكثير من الكتب
بعضها لوالدتي والبعض الآخر لي 
بما في ذلك الأعمال الكاملة لاميلي برونتي
الكاتبة المفضلة عندي
كذلك فان خوفي الاساسي الذي أريد مواجهته 
كلما زرت والدتي
هو أنني أتحول الى اميلي برونتي..
حياتي الوحيدة حولي تشبه المستنقع
وجسدي المنهك يتعكز على الطين
بنظرة للتحول
تموت عندما أصل الى غرفة 
المطبخ.