ماهود أحمد.. صارع الزمن ليكتب ويرسم في غربته

ثقافة 2021/05/26
...

  لمياء نعمان
 
لا تتسع المساحة هنا للتذكير بحياة الفنان الراحل ماهود أحمد كونه فنانا وأستاذا ومعلما وصديقا.. وكثير من اللقاءات والأحاديث تتطرق الى فنه ودراسته وأسلوبه في العمل، لكني أتفرد بالحديث في أربعينيته عن وحدته وغربته وعزلته في شيكاغو/ الولايات المتحدة الأميركية خاصة بعد وفاة زوجته الراحلة الفنانة د. وسماء الأغا.
هو يعيش مع أسرته المتكونة من ابنته د. رامية وزوجها أثير عناد وأطفالهم الصغار المفعمين بالحركة والحياة.. كان يخصص جل وقته في الرسم لنسيان الزمان والمكان، كان يسعى للتخلص من شجون الغربة وعدم وجود الأصدقاء بالكتابة واللون واللوحة.. كانت أعداد لوحاته والمعروفة بواقعيتها الاشتراكية وتأثيرات البيئة العراقية والروسية على أعماله تزداد يوما بعد يوم في قاعته ومرسمه الصغير في البيت.. كانوا الصغار يحبذون المرح يشاكسونه في رسم ألوانهم والعبث بلوحاته، لكنه لا يمتعض ولا يغضب فهم أحفاده ويستأنس بهم وبضحكاتهم الجميلة وبلغتهم المربكة العربي والأميركي.. وهو عادة ما ينصت لهم ويلعب معهم.. ويصلح ألوان لوحاته جراء لعبهم فيها. 
لم تدركه الطمأنينة فهو يشعر بأنه أسير ومغترب، لذا طغى الحزن على ملامح شخوصه وكتاباته.. انشغل بالحياة الجديدة التي لم تهبه ما كان يتمناه مثلما كان شابا يدرس الدكتوراه في موسكو، فقد كان تواقا لمعرفة وأتباع أساليب جديدة في الفن.. فقد كان ذلك زمن مضى.
التقيت به في ميشغان وشيكاغو.. معرفتي به طويلة ومنذ السبعينات فهو الأستاذ والصديق والمعلم والإنسان استضافني في داره هو وابنته وزوجها وصغارهم الذين اعتبروني الجدة وهذا ما كان 
يسرني.
كان أستاذي العزيز يشكو الأسر واللغة وقلة التواصل مع الأصدقاء والفنانين والأهل.. تبعده عنهم المسافات، وينتظر حصوله على الجنسية الأميركية فقد كان يستحقها حسب إقامته لكن الفيروس أجَّل كل شيء.. كان يحبذ العودة الى عمان ولم ندر أنه يستعجل رحيله من هناك.. كان يعتقد أنه سيسر بمشاهدة أصدقائه وبعض المعارض ويستمتع بالصحبة الطيبة مع الفنانين الموجودين في الأردن.
طيلة مكوثي في دارهم لمرتين كنت أستمع الى ما يجيش بصدره المغلق، وأستمتع كثيرا بقصائده الجميلة ولم أكن أعلم أنه شاعر بطريقة بدر شاكر السياب، أستعرض رسوماته وكتاباته ومقالاته حتى أخبرني بمنجزه الأخير {ملحمة كلكامش} رسم وكتابة وتم نشرها في عمان وانتهزت فرصة وجودي وأجريت لقاء معه عن كتابه وتم نشره في ثقافية جريدة الصباح 
الغراء.
امتلك أحاسيس رجل سومري تجيش في نفسه أمور عدة يفكر بدونية الحياة وتجاذباتها ولم يكن للمال حيز مهم فيها.. لكن ليس من منصت ومشاهد ومناقش يتداول معه أطراف الحديث فهو في عزلة عن العالم في ذاك البيت ولم تسنح له الفرصة بالاطلاع على حياته الجديدة في أميركا.. كنت أقول له: الأصدقاء والمعارف والأهل والمشاهدات الحياتية ودوام الاشتغال في الابداع والتفكير بالأفضل هي ما تجعل للفنان والمبدع جذوة للضياءات واكتساب جمال الحياة بكل إشكالياتها، ولم أعلم أن تلك الجذوة التي تعلمت منها الكثير من دروس الفن والحياة والإنسانية ستنطفئ بسبب حادث في عمان بعيدا عن بيته قريبا من مدفن زوجته الراحلة.. رحل أستاذنا العزيز من دون وداع وموعد بلقاء جديد لا في عمان ولا شيكاغو ولا ميشغان.. لكنه ترك إرثا فنيا نباهي به الفن العالمي وكنزا فنيا أصيلا اكتنزت فيه لوحاته ببصمة عراقية جميلة مميزة ترك في نفوسنا مجموعة ذكريات ستكون عالقة في أذهاننا جميلة كجمال روحه الطيبة.