أرشيف جريدة الصباح

فوزي كريم الشاعر حين يرث الأرض

ثقافة 2021/05/27
...

 علي حسن الفواز
فوزي كريم يعرف أن الطريق الى القصيدة هو الطريق الى العالم، الى المعنى، حيث يرث الشاعر الأرض، يساكنها مثل السر أو الأنثى، يتبادلان الإغواء، والمراودة والدهشة، فهو الشغوف بالمغامرة دائما، والباحث عن أزلٍ ما، إذ تكون الكتابة وكأنها سعيٌّ للحب، وترميم للوجود، واستئناف للنشيد، أو بوح بالوجع أو اللذة..
حين نستعيده شاعرا، نلتقي عنده، نفتش في حقائبه الشعرية عن كلام مُهرّب، أو عن قصيدة احتجاج نزقة، فكرت ذات ليلة أن تكون نوبة معارضة، او شهوة نافرة، أو اعترافا بالتمرد، أو توقا لما يشبه الموت الباسل.
فوزي كريم يشبه قصيدته، فكلاهما قلقان، تتسع فيهما الرؤيا والعبارة، ينفران عبر لغة لا تُطيق الحدود، فرغم مافيها من الغناء الأليف، فإن مافيها من الشجن يجعلها لجوجة، متدفقة مثل رغبة عاصفة للتعرّي، بمعناه الأنطولوجي، أو بدلالته التي تسعى لإيقاظ النار، حيث البحث عن سر ديوجين، أو حيث هوس الثوار بالحرية، أو التماس الصوفي 
للعرفان.
في ذكرى رحيله الثالثة نقف لنمسح عن القصيدة غبار أسفارها، او لنشاطرها بعض ماتركته الليالي على ثيابها من حمّى، مثلما نشاطر فوزي كريم قلقه الأليف والعميق في آنٍ معا، إذ تكشف قصائده عن تاريخ الوجع والنفي والوحدة، عن سيرته وهو يدوّن الحكايات التي جاءت معه من يوميات العراق الى فصول المنافي، ومن مراثي الروح الى أناشيد البلاد التي ظلت هي
المشتهى..
لقد ورث فوزي كريم الأرض كما قال في إحدى قصائده، ليذكرنا بالخيار الفلسفي للمكوث، إذ يجاهر الشعراء بالحنين، وإذ يهبون العالم الوجود والمعنى، وإذ يكشفون عن ظلمته عبر ماتحفظه قصائدهم من الرؤى الكاشفة، ومن أسرار الفوانيس، ومن سطوع الأنوار.