في استذكار فوزي كريم

ثقافة 2021/05/27
...

  د.نادية هناوي 
 
الحداثة عند فوزي كريم ليست تطلعا إلى التجديد تأثرًا بالغرب؛ وإنما هي التجدد اتصالا بالتراث الشعري العربي، الذي في منابعه الإبداعُ وفي جذوره الابتكارُ. وكأنه في هذا التوجه يساند نازك الملائكة في دعوتها للارتقاء بالشعر بلا قطيعة مع الموروث أولًا وبالاكتراث للشعرية العالمية ثانيًا، محتكما إلى تجربته الشعرية ثالثا ممتلكا شروط التحديث الخاصة به، واصفا الحداثة بأنها لعب يجمع الإغواء بالإغراء وخبرة روحية مثقلة بالأسى والارتياب والشك والانكسار بعيدا عن سطوة الطيش وتضخم الأنا، واجدا أن عظمة أبي نواس والسياب تكمن في ردمهما الهوة بين الخبرة والفن. 
وإذا كانت الحداثة الشعرية هي الرضوخ للتنميط الأرسطي، وما بعد الحداثة هي الثورة ضد التأقلم والتنميط، فإن هذا ما أراده فوزي كريم للشعرية العربية.  ويعد البيان الشعري واحدًا من تجليات تلك الإرادة.. كما أن شاعريته هي تجلٍّ آخر استقاه من رافدين أحدهما السيَّاب كأروع ثمرة لشعر الخبرة الروحية، والآخر ادونيس، ثم تمظهرت نقديته واضحة وهو يقف عند مرايا عبد الوهاب البياتي وحداثة فاضل العزاوي التي سماها حداثة المستقبل، غير واجد في التأثر بإليوت وكيتس ووردزورث وبايرون سوى نمطية أرسطية، محصلتها شعر لا حداثة فيه، بينما الارتكان إلى التراث العربي هو الموصل إلى شعر حداثي أي أن الحداثة ليست مرحلة تبدل ثوبها كل آن، وإنما هي متجددة بالثوب نفسه الذي أرتدته عند ولادتها.