مواء ناعم.. في مسلسل خشن

ثقافة 2021/06/01
...

ابتهال بليبل

يستحقُ مسلسل (سيدة أميركا) وهو دراما تاريخية التوقف عنده طويلا لأنّه تناول حقبة مهمة وحساسة جدا من تاريخ الحركات النسوية. هذا المسلسل كتبه (دافي فولر) وحاول فيه الإلمام بجوانب وتفاصيل كثيرة جايلت تقلبات {الحركات النسائية} وتطلعها إلى نيل حقوقها، إلا أن المسلسل لم ينجح إلا في تعزز الصورة النمطية للنساء في المنافسة.
وقد أظهرت أحداثه الكثير من التفاصيل عن النسويات، فضلا عن التركيز على رائدات حركة تحرير المرأة، وهن (بيتي فريدان - تؤدي شخصيتها الممثلة تريسي أولمان، وغلوريا شتاينم - الممثلة روز بايرن، وشيرلي تشيزولم - الممثلة أوزو أدوبا، وبيلا آبزوغ-الممثلة مارغو مارتنديل، فضلا عن عرّابة الحركة المعادية للنسوية الحديثة فيليس شيلافلاي- الممثلة كيت بلانشيت)، ولكنه ركز أيضا على المصالح الاقتصادية والسياسية المناهضة للنسوية، وهو الدافع المحفز بالنسبة لي للكتابة عنه، إذ دوماً ما يغفل المشاهد عند طرح القصص التاريخية السؤال المحوري {لماذا تعرض الآنوفي هذا الوقت تحديداً؟} وما الداعي اليوم لمسلسل يُظهر النساء وكأنهن عدوات لبعضهن البعض لدرجة أن يسهم هذا العداء في إعاقة تشريع القوانين أو يعطلها؟.
إنّ متابعة هكذا دراما لشخصيات حقيقية مُلزمة في كل الأحوال، وخاصة لمن عندهم عادة ملاحقة النظرياتلأن هناك حتماً ما يستحق الاهتمام خاصة نظرية (كاتفيغت).
وتعني هذه النظرية الثقافية مشاجرة أو ملاسنة بين طرفين أو أكثر من الإناث وغالباً ما تطلق على غيرة النساء من بعضهن البعض وقد تستعمل أيضا لوصف منافسة بين مرشحتين على أحد المناصب.
المثير أن إرجاع أصول نظرية (كاتفيغت) في الثقافات يعود إلى تعدد الزوجات ولا سيّما في المنزل الواحد، إذ كان لوصف زوجات يتقاتلن أو يتشاجرن فيما بينهن على الزوج للمبيت معه.. ومن ثمّ فإن هذه المعارك هي جنسية بين النساء لأغراض أنثوية نمطية.
الاعتقاد بهذه النظرية لا يزال مستمراً، ومدعوماً من خلال وسائل الإعلام التي بدأت في استعمالها بشكل علني في السبعينيات لوصف خلافات النساء حول القضايا المتعلقة بحقوق المرأة وتحديدا التي كانت بين (شيلافلاي) المحافظة والرافضة لدعوات المساواة بين الجنسين وبين النسويات.
ولكن هل يمكن أن يُعزى الفشل التشريعي آنذاك إلى التنافس بين أتباع شيلافلاي والنسويات رائدات الحركة؟، بالتأكيد {نعم} لأن أحداث المسلسل توهمنا بذلك وتريد منا أن نصدقه.
فالكثير من الأفلام والبرامج التلفزيونية تقدم الآن تقارير مطولة عن الخصومات والمسابقات والمشاجرات بين النساء المشهورات.. وتحظى بشعبية أكبر عند تنافس امرأتين على الرجل نفسه.
إن هذه الصورة لها جذورها العميقة في الثقافة الأبوية المهيمنة لأنها تستفيد من إبقاء المرأة خاضعة، فضلا عن دعمها النظرة الثقافية للمرأة بوصفها ضعيفة، مما يعزز مقولة: (الرجال متفوقون على النساء).  والحقيقة أننا منذ الطفولة نرى ونسمع عن تجارب التنافس الأنثوي الشرس. حتى في أفلام الكارتون مثل (سندريلا وزوجة الأب الشريرة  والأخوات القبيحات) وغيرها تحاول اقناعنا بصورة غير مباشرة في أن منافسة النساء الشرسة بين بعضهن هي الأسلوب المقبول والواقعي. 
من هنا نكتشف الحاجة إلى بث هكذا قصص بين الحين والآخر، و{كاتفيغت} لا يكمن في الماضي فحسب، هي الحاضر والمستقبل.
ويبدو لي أن النقطة الأكثر سطوعا في كشف المخفي ما بين السطور في قصة هذا المسلسل التي كانت عبارة عن قنبلة سياسية ثقافية تتمثل في الثورة المضادة (شلافلي) المحاربة الباردة التي نجحت في الحرب الثقافية عبر استغلال معاداتها للشيوعية كي تدخل السياسة وتحقق أجندة أوسع. ومن ثمّ توضح اليد الحقيقية التي تحرك المسلسل وكيفأن معركة شلافلي التي تعد من أشد الداعمين لحملة ترامب عام 2016. كانت آنذاك ولادة لحروب ثقافية حديثة، إذ الأيديولوجيات تحقيق المكاسب عندما تفرّق وتنمط.