الجسد واستعمالات الزي في ملحمة جلجامش

ثقافة 2021/06/01
...

 ناجح المعموري 
 
الحروب نوع من الانشغال وتبريد الفراغ مثلما هي وتجوز لذائذ الآخر المحفزة لها وهي تعيش شبقها دائماً، وتخاف من العزلة وقطعية الآخر مع لذائذ جسدها وكأنه يزاول طقساً فوضته الآلهة على مزاولة تفاصيلة الجنس امتلاء للمكان بشحنات الجسد وديمومة الحرية.
الحب قوة وامتحان، لكنه في الان نفسه تراجيدياً لذية، عندما تدنو الى التصاعد والذوبان، فتتخلص من ذلك عبر تجديد الفعل بدورة جنسية جديدة.
كل الصفات التي تحدثنا عنها واشار لها الآخر هي التي نجحت برسم صورة وتمثيلات لذية وايضا ادبية. وظلت حتى الان يستعاد اسمها عندما يرى الناظر/ المتلقي تمثيلات صور عارية تعطي جسدها ولم تمتنع عن ذلك، لانها خسرت فرصة الخصوبة.
ولعبت التمثيلات منذ بدئية الفعل وحتى الان في استحداث كلام كثير وهذا يعني لنا كما قال فريد الدين الزاهي: عن مساهمة الصورة بشكل كبير في ولادة مفهوم الذات والفرد والانا من خلال مفهوم اللوحة التي تخلد الشخص وتجعله قابلا للتداول بوصفه صورة. 
معاينة الكم الهائل لتمثيلات الانثى العارية مع تنوعات الاستمتاع، توحي بوجود الانثى وتعطيها حضوراً الان، وقد لعبت تلك التمثيلات دوراً في الثقافة النسوية وتغذية الاشهار وتنشيط الانتاج ومنح فرصة البقاء الذي يعني بالرضا لتداول التمثيلات الجسدية بوصفها أداة بلاغة ووسيلة قراءة.
استمرار الطقوس الاحتفائية الحاضرة ثقافياً يتمظهر عن سلطة الصورة وتمثيلات الأدب. وكان لهذه الثنائية التمثيلية دور جوهري باستمرار حضور الصورة متعايشة مع أساطيرها ومحكياتها، حتى صار لها تأثير كبير في الديانات التاريخية والتوحيدية وقد درسها اكثر من باحث. هذا يعني نشوء الصورة كسلطة ديموتها سلطة وقبولها كذلك. اما الطقوس والعقائد فتحتاج قوة وسلطة لاستمرار ما تريده الجماعات من تخيلات احتفائية.  
لا نستطيع إنكار البصرية التي تعرفت عن قرب للاتصال العبري مع شمخت لمدة ستة ايام وسبع ليال. وهذه البصرية هي مساهمة بقوة لتكوين ما ذهبت اليه الجماعات الانثوية والدراسات الثقافية بوصفها {المشاهدة ووضع المشاهدة}.
جعل الاتصال الانكيدوي مع الكاهنة شمخت جعل من المرأة منظوراً لها، وليست هي الناظرة، معايناً لها ومتعرفاً على جسدها ومكتشفاً ردود فعل الجسد المرتعش، المتوفر. ومثل هذا التشارك منحها فضاءً واسعاً {بتصرف من د.سامية ري، تمكن من خلاله انكيدو ابتكار آلية خاصة ومتميزة بقوة اللحظة الشهوية التي كانت النظرة اللذة فيها فياضة بالولع والتوتر. الولع بشيء ما عوضاً عن الاشباع السريع}. 
تحولت شمخت/ الانثى، الانثى موضوعاً للاثارة واشباع الجنس كما قالت المفكرة {مالغي} بمعنى لم تكن هي بالذات المحدقة. ولذا انتصر الفنان العراقي القديم في تصور جسد المرأة وباختيار له بطريقة شهوانية. واضافت {مالغي: تتخذ المرأة احياناً وضع المشاهد المذكر عن طريق التماهي مع العطل. او يتخذن موقفاً سلبياً او ماسوكيا/ بمعنى استشعار اللذة من التعرض للايذاء البدني، او العاطفي}، حتى تحول العشق الدبري الى اثنوغرافية، تتميز بها الشعوب عبر مضاجعها. وهي المعنية، بدراسة مميزات الشعوب والثقافات.
قالت الزهراء ابراهيم، تداول الجسد كنص او كمتن مفتوح على القراءة وفك الشفرات الثقافية، من شأنه أن يحيلنا حضور لغة ما داخله تشتغل لقصدية معينة إذ (تشترك استعمالات الجسد واللغة والرمز في كونها موضوعات متميزة للمراقبة الاجتماعية).
قال رولان بارت: لا يمكننا ان نتحدث عن الجسد الانساني من دون ان نطرح مسألة اللباس، لان الثياب – فيما يقول هيغل- هي التي يصبح فيها المحسوس دالا، اي الثياب هي ما يصبح به الجسم دالا ومن ثم حاملا لعلامات خاصة. نتساءل كيف؟.
عرف الانسان اللباس في تاريخه الغابر أولا استجابة لحاجة وظيفية، لتظهر فيما بعد الحاجة الجمالية. ان التفكير في وقاية الجسم من المؤثرات الخارجية الحادة جداً بالكائن البشري نحو توفير المأوى والدفء والغذاء والكساء، حسب ما سمحت به كل مرحلة تاريخية من امكانيات مادية وقفاعات فكرية وهكذا" وبعد المسكن واللباس في المواضيع الاكثر اهمية ضمن مجال الانتربولوجيا الثقافية لاي مجتمع لما قالت الزهرة البراهيم. عد اندري ليروي نمورهان: اللباس اداة تجعل الجسد رمزا {في المجتمعات التقليدية تكون الشفرات الثيابية الجد دقيقة دالة على الجماعة التي تنتمي اليها والمكانة التي يحتلها.. انه من خلال طريقتي في اللباس، انا موضع على الرقعة الاجتماعية بهذا يلعب اللباس في المجتمعات التثليدية دوراً إشهارياً}، للجسد من حيث انتماؤه الجنسي والعمري والطبقي، مادياً كان أم معنوياً، لاسيما في المجتماعات القديمة كان اللباس وظيفة {إشهار} وإظهار الاشارة. 
لا يريد الفحل الممتلك للانثى الراغب بها، وتلك التي تستهويها لحظة المضاجعة من طاقتها بل يريد منحه فرصاً لذية جديدة. ولا بد من دخول الانثى متشاركة كلياً أسهمت الملحمة بتوصيف مثل هذه العلاقة.
انطوت الرسالة المبلغة بها شمخت على ضرورة التحضر والاستعداد للعلاقة الدينية، التعرفية. ولابد من تحفيز الجسد لا من اجل تأدية وظيفة دينية، بل حتى يتمظهر الرجل الصحراوي مختلفاً ومغايراً لان ما كشفت عنه جسدها من حيازات كالزي، وممارسة مظاهر التجميل، ظهرت عبرها ذات مهمة جوهرية وهي تدخل الصحراء بثقافة مدينية، لم يرها انكيدو من قبل. واتضحت بأخلاق جديد وعلاقة غير مألوفة للفحل المتوحش، لذا استولت عليه، وهيمنت على المخزون من فحولة، قشرتها من العوالق الصحراوية وذلك مهم، لان الجسد المثقف بالجدة قادر على المنح والاندماج لانجاح رسالتها المبلغة بها من قبل السلطة السياسية والدينية التي أرادها جلجامش كي تحقق نتائج ايجابية فورية. لذا لعب الزي المصنوع والسائد في اوروك دوراً مهماً في تحفيز جسد شمخت مع تحول انكيدو الى عتبة الاستعداد والقبول بكل ما ارادته الكاهنة لجسده من تغيرات، لان ظهور ملامح المدينة في زي وتأثيرات التجميل لها دور بالغ {لان ذلك صناعة وفي آن واحد}.
وأستطيع القول بأن ما ظهرت به الكاهنة وما انعكس على جسد انكيدو آلية قوية لاخضاع الانثى وحماس الفحل لاختبار امكاناته. لذا كل ما تمظهر بالاتصال هو اعلان شهوي متوتر، تشارك به المذكر والانثى. الاول الذي استجاب لثقافة الكاهنة وحولت جسده من حيواني صامت الى فحل مشحون بالطاقة. وحتماً كان للزي والتجميل سيطرة للاغواء الذي صار وكأن الانثى المقدسة راضية بتحولها الى ضحية من اجل المقدس المنتقل من معبد اوروك الى الصحراء. 
العذراء إشعال للطاقة الجاثية في جسد الرجل، وهي عارفة بمكامن المخفي بجسدها وكيفية تثوير كل جزء فيه. بحيث تتحول كلياً الانثى. ومن خلال الاجزاء الى فرص لامتحان الآخر، الذي تشتعل فيه مكامن الطاقة الفحولية التي عرفتها السرديات الفردية والجماعية، لذا شقت ملحمة جلجامش عن صوت الملك الذي يعني ذكورية فخشى فقدان الشهوة من لحظته التي اقربت اليه؛ لذا كان الملك ممتلكاً للعذارى ويزاول حقوقه بالافتضاض واختبار الصلاح السياسي، الملكي. لان الجسد يخول الملك البقاء وتجديد الحياة وتمنحه فرصة التوقيع المتعارف عليها لاستمرار الحياة وتجديد الحياة والانبعاث. ومثل هذا الفحص او الاشارات تومئ لضرورات الذهاب نحو العذراء. بمعنى منح الارض الانين المجازية واستمرار سقيها حتى تكون علامتها إبعاثاً وريعاناً.
يبدو لي من خلال قراءة الملحمة وجود لحظة جنون عند الملك كلما ظهرت الانثى، الصبية في شارع اوروك، او في معبدها ويسرع الى هناك لتبدأ لحظة النصر وليست المتعة. لان الملك السياسي مهووس بالافتضاض وحيازة الطاقة الخارقة التي تذهب دائماً نحو استعمال الجسد، إذ تحين لحظة تكريس {الملوكية} الأبدية.
الولع الملكي بممارسة الجنس وملاحقة العذارى في المعبد كان وظل جزءا من وظيفة ملوكية، أدت لاحقاً الى التحولات الحاصلة في اوروك واحدثت التطورات الكبرى وتحقق نوع من ردود الفعل والانتفاض. ودخول السلطة الدينية/ الكاهنة/ شمخت ممتلكة لصوت الانثى القوية، الصوت الذي يعني كل احتمالات الانثى في تعدد الاصوات، ومزاولة كل ما تريده. ولان الام هي الفاعل الاول في التاريخ، امتدت افعالها، من خلال الاناث والعذارى اللاتي جعلن الحياة متجددة ومستمرة الانبعاث.الفعل الذي أعظم الادخالات ورمزيتها الارض واحتضان المطر.