قصر الجملة الشعريَّة واكتناز كثافتها المضمونيَّة في قصائد كريم جخيور

ثقافة 2021/06/02
...

  علوان السلمان
لجان كوكتو (الفن ليس طريقة معقدة لقول اشياء بسيطة.. بل طريقة بسيطة لقول أشياء معقدة).. والتجربة الابداعية هي وليدة المصادر المعرفية التي هي نتيجة حتمية للقراءات التكوينية والواقع الحياتي.. ومن تمازجهما والخيال يكون النتاج الاستثنائي المستفز الذي يطمح لخلقه منتج واعٍ لتجربته الخلاقة.
والنص الشعري (بلاشفة صبخة العرب) الذي أفرزته  ذاكرة الشاعر كريم جخيور ونسجت عوالمه المشهدية أنامله.. ببنية نصية شعرية تندرج في اطار اسلوبي حكائي وفق هيكلية قصيدة النثر بكل مناخاتها وحركاتها البنائية القائمة على عوالم الداخل والخارج (الانا والانت) في تكوين يجنح بجمله الشعرية المتبادلة الادوار بصيغة درامية تتواصل بألفاظها الموحية والصورية مع ايقاع الحياة المكتظة بالمتناقضات المتصارعة ابتداء من العنوان اللافت الذي يتخذ منه المنتج رمزية لوجدانياته الذاتية تأكيدا لهويته في البوح الإنساني، كونه نصا موازيا وعتبة تحتضن عوالم النص ومفتاحا اجرائيا في التعامل معه في بعديه  الدلالي والرمزي، فضلا عن الاهداء المناص الكاشف عن البعد السايكولوجي للمنتج باعتماد لغة موحية بعيدة عن الضبابية والغموض عبر جمل تتعالق والسياق النصي الاجتماعي والتاريخي والمكاني.. فضلا عن أنه عتبة نصية تبوح بما يتسم به النص من روح انسانية وحالة وجدانية مفعمة بصدق العاطفة: (البرك التيكان يشرب منها البط/ عند الصباح/ جفت/ والبط طار عاليا ظلك/ ولخطوتك وجع المنافي/ والغناء الحزين/ يطاردك الحرس/ ورجال الإطفاء/ فتمد أصابع كأجنحة...)
 فالخطاب الشعري تتجلى جمالياته في ترتيب جمله الشعرية باعتماد التنسيق البصري الملائم للسياق الشعري واللغوي، فضلا عن توظيف الشاعر تقنيات فنية كالتكرار الدال على التوكيد. والقيمة الجمالية الكاشفة عن الجوانب النفسية والدلالية التي تنطوي عليها شخصية المنتجفي تشكيل رؤيتها ووصف الحالة الشعورية التي تتملكها، فضلا عن توظيف الحوار الذاتيالذي أسهم في تعميق التجربة الشعرية واغنائها، فنسج نصا مكتنزا بتاريخ المكان والشخصية المحفورة في الذاكرة والوجدان المقترن بذات لها حضورها الثقافي من خلال توظيف الشاعر للحكي الشعري الذي يقوم على مستويين متعالقين:                                                                              
اولهما: البنية الحركية بتوظيف الفعل الدال على الحركة (يشرب/  جفت/  يطارد/ تمد..).
وثانيهما: اخفاء التشكيلات البصرية وعناصرها، وجماليات التراكيب النصية وبؤره الاستفزاز المتلقي من اجل استنطاق الصور والكشف عما خلف.
  جملها وألفاظها بأسلوب تعبيري جاذب بوصفها انعكاسا للحالة النفسية  للمنتج.. فضلا عن اعتماده التكثيف الذي يعد من اهم مميزات البناء الشعري الحداثوي كونه يمنح النص انفعالات العاطفة في تجليات بناء المشهد الذي يتسم ببنية متماسكة محتضنة للصور وايقاعها النفسي والدلالي المؤطر بوحدة موضوعية.
(عاليا قلبك/ حين اخذك المنفى/ عبر مفازات الرمل/ تركت على ابوابنا/ نقرات طفولتك/ إنها لاتعرف الهدأة/ ولا يقرب من قلبها الذبول/ أما حقائبك/ فما زال بلاشفة صبخة العرب/ يتزودون منهاشعرا.. وعشقا.. ورفضا).
الشاعر يمازج ما بين الأسلوبين الخبري والانشائي كي يضفي على نصه حيوية صورية من خلال المحسنات اللفظية فيكشف عن شعرية تتشكل نتيجة موجات من الدفق الشعري والشعوري المرتبطة بحضور الآخرباعتماد التوصيف والدلالة بلغة مقترنة بالمشهد المكاني بقدرة كاشفة عن إزاحة مستويات التعبير الى عمق دلالي يعلن عن صور حية نابضة للذات المواجهة للفعل الإنساني، فضلا عن امتلاك المنتج (الشاعر) لقدرة استثنائية في رؤية الاشياء وتوظيفها كصور بصرية مألوفة فيحرك عوالمها بإضفاء خياله الشعري عليها فيبث فيها الحياة والحركة.                                                                                        
وبذلك قدم الشاعر (المنتج) نصا قصيرا في حجمه وجمله. لكنه مكتنز بكثافته ومضامينه الداخلية التي يضرب فيها الخيال بعمق متسق الجمل متلائما والسياق الشعري.. وهو يتكئ على ذاكرة لها أبعادها الجمالية..ولغتها الموحية المتميزة بدلالاتها المقترنة بصورها التي تكشف عنها الانزياحات اللغوية وسعة الخيال والمخيلة.. وهو يسبك الافكار الجزئية لتكوين الفكرة الجامعة لعوالم النص.