هشام جعيط

الصفحة الاخيرة 2021/06/05
...

جواد علي كسار
 
كنتُ شغوفاً بمتابعة المشهد الفكري في المغرب العربي وشمال أفريقيا، بقدر واضح من الحماس والإعجاب؛ أتابع رموزه وأطاريحهم والبارز من أفكارهم وكتبهم، ولا أهتم كثيراً بفوارق الانتماءات واختلاف النحل الفكرية والهويات المنهجية؛ فما كان يعنيني هو خصوبة الأفكار والقدرة على إثارة التفكير الجدي بواقعنا وقضايانا، واجتهاد الحلول.
رحيل صاحب كتاب «أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة» و«الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي»؛ المفكر التونسي هشام جعيط، الثلاثاء الماضي، أعادني إلى المشهد برمّته؛ وعلى وجه التحديد إلى أسماء تفاعلتُ مع كتاباتها خلال العقود الماضية، على نحو عميق ومكثّف، كما حصل مع الجيل الأوّل من هؤلاء الرموز، أمثال عبد الحميد بن باديس والطاهر بن عاشور ومالك بن نبي وعلال الفاسي، إذ نظرتُ إلى هؤلاء ومن هو في قامتهم، بأنهم من رواد النهضة وركائز الإصلاحية الإسلامية، ليس في بلدانهم وحدها بل على امتداد الإقليم العربي برمّته.
في مرحلةٍ لاحقة سجّل المشهد الفكري في شمال أفريقيا بروز جيل جديد من المفكرين، من أمثال عبد الله العروي وهشام جعيط وعبد الإله بلقزيز وكمال عبد اللطيف ومحمد آركون ومحمد عابد الجابري وغيرهم، ارتبط اسم كلّ واحد منهم بفكرة أو أكثر من الأفكار البارزة ذات الصلة بسؤال النهضة وملابساتها، لاسيّما العلاقة مع الإسلام والغرب، ضمن ثنائيات الأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، والإسلامية والعلمانية وما شابه ذلك.
تلوّن التراث الفكري لهؤلاء بتحوّلات مناهج النهضة نفسها، ففي يومٍ ما كان البارز من هؤلاء يدافع عن القومية بوصفها ايديولوجية النهضة، لكن هزيمة عبد الناصر عام 1967م لم تؤدِ فقط إلى دفع الناصرية للاندثار وإلى متاحف التأريخ، بل قادت إلى مراجعات كبرى لايديولوجيات النهوض، جعلت هذه الأسماء مستقطبة بين الإسلامية والغربية واليسارية بتياراتها المختلفة.
إذا كان عبد الله العروي قد قدّم خياراته لهذه المرحلة من مراجعات النهضة، عبر كتابه «الايديولوجيا العربية المعاصرة»، فقد فعل هشام جعيط ذلك على نحوٍ فكري، من خلال كتابيه «الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي» و«أوروبا والإسلام»، قبل أن يشهد بعد ذلك شبه انكفاءة على المنزع الفكري، من خلال تركيزه التأريخي على بواكير الإسلام الأولى، في السيرة والوحي المحمدي، وفي الفتنة، وتأريخ الكوفة كنقطة ارتكاز للمدينة الإسلامية.