ما الذي غيّرته طرائق نشر الأعمال الفنيَّة في العلاقة بين اللوحة والصحافة الجديدة

ثقافة 2021/06/07
...

  البصرة: صفاء ذياب
 
لم ينفصل العمل الفني، إن كان لوحةً أو تخطيطاً أو كاريكاتيراً عن الصحافة منذ نشأة الأخيرة حتى تعددت منافذ النشر، وتطوّرت إلى درجة أصبحت بديلاً عن الكثير من الفنانين، بل إن هناك من بدأ يرسم لوحاته أونلاين على بعض المواقع من خلال التقنيات الحديثة، مثل القلم الضوئي واللوحة الضوئية، أو ربط الفوتوشوب بشكل مباشر عليها.
هذه التحوّلات أثّرت بشكل ملحوظ على العلاقة بين فن الرسم والصحافة؛ لاسيّما الورقية منها، حتى أن الكثير من الفنانين لم يعودوا يعبؤون بنشر لوحاتهم في حال طُلب منهم ذلك، لأنهم يرون أن هذا النوع من الصحافة لا ينتشر إلا بنطاق محدود، ، في الوقت الذي أنشأ فيه أغلب الفنانين مواقع الكترونية لعرض أعمالهم، والترويج لها وبيعها مباشرة على مواقعهم الشخصية.
الرأي في العلاقة بين الصحافة ونشرها للأعمال الفنية تغيّر تماماً، غير أن هذا التغيّر ربّما أثّر حلقة التواصل بين أعمال الفنانين والقارئ التقليدي الذي لا يتابع المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي... فكيف نفهم العلاقة بين الأعمال الفنية والصحافة 
اليوم؟.
 
تقنيات ليست فنيَّة
يقول الفنان علي النجار، إنه في نهاية الستينات التقى في مكان ما مع الفنان فيصل لعيبي وبيده دفتر رسم. بعد أن اطلع على بعض من تخطيطاته للوجوه (البورتريت) اقترح عليه أن يرسم في الصحف مثلما كان يفعل هو والمرحوم الفنان صلاح جياد. "لكنّني ولنزعتي الشخصية التي لا تقبل الانقياد للآخرين حتى في مجال الفن، ومنه الصحفي، أجبته بالنفي وهو ما جعله يستغرب هذا الرفض، على الرغم من أنَّ العديد من الفنانين (الرسامين) كانوا يتوقون لهذا الاشتغال".
ويكمل النجار حديثه لنا: المهم، لقد كانت لرسوم الصحف (التوضيحية) في ذلك الوقت، سواء كانت لشخصيات أو على حدث أو مجرد تزويق لنص وقعها 
وأهميتها. 
يتنافس على أدائها فنانون معظمهم شباب مقتدرون. وكانت لرسوم الكاريكاتور أيضا فرسانها المهمين التي ما تزال رسومهم عالقة بالذاكرة أكثر من الرسوم الواقعية (ذات المسحة الأكاديمية) كونها تعليقاً ملغّزاً غالباً على حدث يومي أو سياسي.
ولا يرى النجار تأثيراً لهذه الأعمال في الوقت الراهن، ما عدا رسوم الكاريكاتير، التي يجدها تفتقر غالباً لتلك العناصر الفنية القوية السابقة، حتى على المستوى العربي، ويبدو أنَّ لدور الكاميرا (الصور المرفقة في المونتاج الالكتروني للصحف) أثر ما في ذلك. ففي الوقت الذي كانت غالبية الصور الشخصية ترسم من قبل الفنان، بات الفوتوشوب وبرامج الرسم والتصميم الأخرى تحل محلها، وهي نسبة لا يستهان بها من حجم المنشور. لنقارن مثلاً بين طبعات الصحف الحالية، وبين التي قبلها بعقود، لنكتشف مساحة انحسار هذه الرسوم.
 
روح اللوحة
الفنان كريم سعدون يرى أن هناك بوناً شاسعاً بين أهمية أن ترى العمل الفني وتفعّل العلاقة البصرية المباشرة معه وبين أن تراه منشوراً كصورة مطبوعة أو كصورة معروضة الكترونياً، وكان النقاش يجري في أهمية الصورة المنشورة للعمل الفني عن العمل الفني نفسه، وقبله جرى بين العمل الفني المنجز يدوياً عنه المطبوع كرافيكياً وتأثير ذلك على انتشار الفن والفنان والطباعة الكرافيكية كما هو معروف أوجدت علاقات تلقّي جديدة غير مسبوقة.
ويضيف سعدون: ولا شك أنَّ النقاش في مثل هذا الأمر الآن هو بعض من إفرازات الواقع المعاصر والسريع التغيير الذي يلقي بظلاله عملياً على قضية تلقّي الفن بشكل عام، كان الأمر يتعلّق بالأساس بما يوفّره الاتصال المباشر بصرياً بالأعمال المنجزة يدوياً الذي يوفّر إحساساً مباشراً بالملمس وطرق اشتغال الفنان بأدواته على سطح العمل، وهذا وفّر إحساساً عاطفياً خاصاً لا نجده في طرق التواصل البصري الأخرى، ولكن ما وفره النشر المطبوع، أسهم في نشر الثقافة البصرية وعمل على تفعيل تلقّي الفن من جمهور أوسع مثل ما عمل الكرافيك في بداياته، ولكن بنسبة أكبر بكثير لأنهم حافظوا على نسبة معينة من التأثير العاطفي المذكور.
وبحسب سعدون فإن النشر الالكتروني الآن فرض قيمه الافتراضية المغايرة ووفّر طرق رؤية شاملة للعمل الفني لا يوفّرها المطبوع منها الدقة الكبيرة في فرز اللون والتجسيم وإمكانية رؤية العمل من زوايا مختلفة، في الوقت نفسه وفر كذلك فرص أوسع لوسائل انتشار العمل الفني مكانياً وزمانياً، ووفّر بيئات عرض مشابهة للواقع، وهذا بالتأكيد يخدم الفنّان في تجريب الكيفية التي يشاهد أعماله فيها كمتلقٍ لها، وكذلك وفّر انتشاراً للفنان في دائرة اتصال أكبر وتواصل سريع وواسع مع ما يجري  في عالم الفن وسوقه. ومع ذلك يظل بالنسبة لي ليس بأهمية النشر المطبوع لاعتبارات قناعتي الشخصية بقيمة التوثيق الورقية وما يوفّره المطبوع من إحساس 
عاطفي.
 
الانتشار الأسرع
ويبين الفنان والناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي أن أهمية نشر الأعمال الفنية في الصحافة ازدادت الآن بشكل أكبر، ذلك لأسباب عدّة،  أولاً بسبب تعاظم دور الصحافة الالكترونية، وسعة انتشارها، وتمكّن الملايين من الاطلاع عليها، وثانياً التقدّم التكنولوجي الذي طرأ على الصورة وارتقاء مستواها في الوضوح وفي إمكانية الخزن الهائلة في أماكن صغيرة، وإمكانية نشر عشرات الصور من دون تكلفة، وإمكانية تكبيرها إلى أحجام كبيرة. فتعاظمت أهمية النشر في الصحافة؛ ولا سيّما الالكترونية منها، مقارنة بعقود خلت من الآن؟، وتأثير ذلك على الفنان يتمثل بانتشار تجربته الى مديات عالمية خلال وقت سريع، وقد فتح التقدم الالكتروني لشبكة الانترنت مما فتح إمكانية إنشاء مواقع الكترونية، وصفحات نشر الكترونية خاصة بنشر تجارب الفنانين والمنشورات التي تنشر عنها.
 
حلقة وصل
أما الفنان الدكتور حسين النجار، فيرى أنه لا يمكن للفن أن ينتشر ويحقّق حالة من التواصل مع المتلقي من دون وسائط تضمن ذلك التواصل. فقد شكّل التواصل البصري على مر العصور حالة من الانتشار ما بين العمل الفني ومتلقيه، إلّا أنَّ الحال تغيّر مع تعدّد النسخ مع فن الكرافيك ومن ثم ظهور الصحافة، التي ضمنت للفنان مساحة إظهار أوسع؛ إذ أسهمت الصحافة وما رافقها من تطوّر الأساليب النقدية الحديثة، بتعريف الفنانين وذيوع أساليبهم الفنية، كما عملت كحلقة وصل بين الفنان والمتلقي الذي أصبح يرى الأعمال الفنية المستنسخة يضاف إليها رؤية نقدية تساعده على تلقّي الفن كواقع ثقافي؛ غير أنَّ الحال أصبح أكثر تعقيداً مع تنوّع وسائل الاتصال وتعدّدها، فالصحافة اليوم توفّر حالة من التوثيق أكثر من كونها وسيلة لتعريف المتلقّي بالنتاج الفني الذي تكفّلت فيه الوسائط المتعددة، فأصبح دور الصحافة يقتصر على تقديم دراسات نقدية تخص النخبة ولا تمس المتلقي البسيط، وفي الوقت نفسه تمثّل مرجعاً يعتمده الفنان كمساحة داعمة توثّق لعمله وتوفّر له غطاء الشرعية الثقافية، ما لا تستطيع تقديمه وسائل التواصل الاجتماعي؛ لذا فإن دور الصحافة ما يزال فاعلاً وحيوياً في عملية توجيه جماليات الثقافة البصرية، بل وتسهم في صناعتها وديمومتها أو 
اضمحلالها.