صحفي شجاع

الصفحة الاخيرة 2021/06/08
...

حسن العاني 
كان عام (1964) – وهو دون العشرين من العمر – اول عام يقترب فيه من الصحافة بعد رحلة مضنية أمضاها الفتى متنقلاً بين عامل بناء مرة وعامل في مقهى مرة أخرى، وأينما توفرت أسباب الحصول على مورد مالي يكفيه لقمة العيش ويسد مصاريف الدراسة، غير انه في عام الصحافة ذاك توقف عن البحث عن فرص عمل هنا او هناك، ونذر نفسه للمهنة الجديدة التي طالما تمنى الاقتراب منها، ولأن هذه المهنة تعاني من فقر الدم فقد
اضطر الى توزيع نفسه بين اكثر من مطبوع فتراه (مصححاً) أو ( مندوباً) أو ( محرراً) 
يمضي نهاره وثلاثة ارباع ليله يلهث تعباً من جريدة الى مجلة، لا يشكو ولا يسأل عن صحته، ولكنه مع كل يوم يمر يكتسب خبرة ويزداد معرفة، وربما هي اقل من عشر سنوات حتى اصبح اسمه لامعاً بين الأسماء الكبيرة، وقلماً مطلوباً ومقدماً على اشهر الأقلام ، ولم يلبث أن اصبح الكاتب الذي تتنافس عليه وسائل الاعلام من الإذاعة والتلفزيون الى الصحف العراقية 
والعربية.
تلك هي السيرة الذاتية لهذا الصديق الإعلامي الذي تميز قلمه بالكتابة الجريئة والنقد القاسي، مثلما تميزت شخصيته في التصدي لامراض السلطات الشائعة كالبيروقراطية والروتين والرشوة والمحسوبية ... الخ، والغريب انه لم يتعرض في يوم من الأيام الى أي اعتقال او مساءلة او اعتراض، وقد سألته مرة عن هذه الحالة الغريبة، ومن اين له هذه الشجاعة؟، فابتسم الرجل وقال لي ما معناه، ان بينه وبين الشجاعة الف ميل، ولو اقتاده شرطي الى المركز لأغمي عليه قبل أن يتلقى صفعة واحدة على الظهر، ولكن القضية وما فيها، انه ابعد ما يكون عن الشخصنة او 
تحديد هذه الوزارة او تلك المؤسسة، ولهذا لا يغضب من كتاباته أي مسؤول ما دام اسمه او اسم دائرته غير مذكور – حتى وان كانت التلميحات والاشارات واضحة – ثم سألته عن سبب استمراره بهذا الأسلوب الى الآن، والعراق يعيش اعلى مراحل الديمقراطية وحرية التعبير؟! وبدوره سألني وهو يبتسم : هل تغيرتْ نظرة المسؤول الى نفسه والى موقفه من الاعلام ؟! وامام الحرج الكبير الذي وضعني فيه، كان لابد أن أتهرب واكذب عليه، وأزعم بأنني لا أعرف، مع ثقتي العالية بانه يعرف بأنني
أعرف!.