الشعريَّة الحكائيَّة وتحريك المتناقضات في (ما تعسَّر من الفرح)

ثقافة 2021/06/08
...

 علوان السلمان
النص الشعري توالد افتراضي دينامي خالق لعوالمه المستفزة للآخر (المستهلك)، نتيجة تلاقح بنيتين متداخلتين: أولهما بنية خارجية مقترنة باشتراطات اللغة والتراكيب الجمالية، وثانيهما بنية تخييلية مضمرة.
والشاعر قاسم والي في نصه (ماتعسَّر من الفرح) يعتمد محور الايقاع الشعري بشطرين وقافية ومضمونا يكشف عن وجع نفسي يفيض بآهات متمردة وتجليات فرضت وجودها فكانت ردة فعل لواقع يعج بالمتناقضات عبر لغة مجازية تعتمد الاستعارة والمجاز محطمة لحاجز التوقعات.
(بعضُ العراقِ على كلِّ العراقِ أنا/ الماء ُوالطينُ روحٌ ترتدي بَدَنا/ غزلتُ من وَهَجِ الأزهار أخيلتي/ مؤثثاً بالجمالِ البِكرِ لي وطنا/ زخرفتُ خارطةً خضراءَ طافَ بها/ خطّان للخصبِ ينسابان فيضَ سنا/ حسِبتـني حينَ أرجو فيهِ أمنية/ يجيئـُني راكضاً كلتا يـديهِ مُنى/ لكنني كلَّ ما بعثرتُ من زمني/ لأجلهِ حالماً لمْ يجـمعِ ألزمنا).
فالشاعر في نصه يعتمد أسلوبين متداخلين: أولهما الأسلوب الحكائي السردي، وثانيهما أسلوب تحريك التضاد عبر الحدث الذي يؤطر حضور الحياة المكثف بتوتراته عبر تعابير مشحونة بطاقة دينامية (جزء/ كل) (الذات/ الموضوع) من أجل الحفاظ على العاطفة المتمردة على الواقع ببناء فني تركيبي يتكئ على معمارية حداثية متميزة بتناسق الصور المتوالدة بوحدة موضوعية توازن بين الشكل (المبنى) والمضمون (الصور والتخييل والرؤية المكثفة سياقيا وتركيبيا)، فضلا عن توظيفه الرمز لتطوير الفكرة مع محاولة توظيف الميثولوجيا في أصل خلق الانسان (الماء والتراب والهواء والنار)، (الماء والطين روح ترتدي بدنا)، فضلا عن حرصه على وحدات النص الدلالية التي تتعالق مع بعضها بوحدة موضوعية وموقف شعري مفعم بشيء من الغنائية الشفيفة المسكونة بثقل الذاكرة وهو يحاول استنطاق صور الواقع النابض بالحياة والجمال، فضلا عن اسهامه في تحريك المتناقضات لخلق أجواء متفردة بإحساس عميق عمق الفكرة المضمونية.
(أعطيتـُه جسدي المكتظَّ أسلحة/ أعطى لي الألمَ المكتـظَّ والوَهَنا/ ألبستـُه بُردةَ الأشعارِ تنسجُها/ روحي فينسجُ لي من ملحِهِ كــَفنا/ يُحبـُّنا لا نماري فيهِ نحنُ لهُ/ نُحبُّهُ منذُ كافِ اللهِ فهوَ لنا/ لكنني الآنَ ملتاعٌ يُعذّبني/ أني أراهُ أضاعَ العـينَ والأذُنا/ معاتباً جئتـُه موبوءةً جُمَلي/ وإنْ بدا واهـن الأبياتِ متـّزنا). 
فالشاعر يشتغل على فكرة الانفتاح النصي على اجناس ادبية وفنية لمد فضائه بما يمنحه الحرية كالسرد الشعري والتناص مع النص القرآني (كن فيكون) و(حادثة الطف) وتجاوز القيود والانغلاق على الشاعرية من اجل استيعاب هموم الانسان المعاصر بأسلوب يمنح النص اتساع رؤاه وتعدد أحداثه مع تحرر من التأطير الزمكاني باعتماد لغة يومية خالقة لصورها ودلالاتها المنبثقة من ذاته الشاعرة التي تجمع ما بين الكتابة السردية والكتابة الشعرية بتفاعل وجداني ملتحم بصيرورة الحدث وتداعياته ومعطيات الواقع وإفرازاته.
 (فمنذُ أحرفيَ الأولى اقترنتُ بهِ/ عجبتُ يسعى إلى غـيري ليقترنا/ هوَ العراقُ وبعـضٌ من فرادتهِ/ بأنَّ أقدسَ مقتولٍ بهِ دُفِنا/ وأنه منذُ فجرِ الموتِ طافَ بهِ/ رأسٌ لأشرفِ محـمولٍ برأسِ قنا/ عُدْ نحـوكَ الآن وانظرْ كي ترى/ مُدُناً جدباءَ موحشة لا تشبهُ المُدُنا/ وكيْ ترى دميٙ المسفوحَ ضاعَ سُدىً/ وما جنيتُ أنا أو ما سواي جنى/ أباً حَسبتكَ حتى الآن أنتَ أبي/ مهما ابتعدتَ إلى غـيري أقولُ دَنا).
فالنص يشتبك والواقع (الوطن): (ورغمَ ما بي أراني لا أفارقهُ/ كالنخلِ متخذاً من طينهِ سكنا).  بعلاقة تفاعلية ولغته شعرية تقترب من الحياة اليومية مع تميزه بسمو فني وعمق الفكرة التي يكشف عنها تجاوزه خط الافق الذاتي وتركيزه البحث في قلب الاشياء.. فكانت المعاني متوهجة تكشف عن جمالية مختزنة في خيالات المنتج (الشاعر) وحصيلته الحياتية التي لاتكتفي بالمحسوس ومظاهره.. والجزئي في مادته.. بل تشتغل بعمق معرفي ومفارقة يخلقها الشاعر في السياق النصي من أجل إثارة ذهن المستهلك (المتلقي) ومشاركته في استنطاق ما خلف مشاهد النص وألفاظه.
 وبذلك قدم الشاعر نصا يقوم على مجموعة من العتبات التي تقدم نفسها بفقرات تقتسم النص الى مجموعات دلالية متكافئة وهي تسبح بين بنيتين أساسيتين: أولهما البنية اللغوية، وثانيهما البنية المعرفية.. وهو يخوض مغامرة شعرية يعي نتائجها المؤثرة بإتقانه لتكوينه الداخلي والخارجي، فيكشف عن قدرته في الترميز وشحن ألفاظه بدلالات غير مألوفة من أجل التحليق في أفق الصور الشعرية عبر بنية نصية تعتمد التكثيف والتركيز والايجاز.