ثنائية الرجل والمرأة في مجموعة (نافذة من ذاكرتي)

ثقافة 2021/06/09
...

  حمدي العطار
 
بودي أن أوضح مسألة تخص عناوين المجموعات القصصية، وهي جعل عنوان المجموعة باسم احدى القصص، فهل هذا يعني ان القاص يختار أجمل ما موجود في المجموعة من قصص فيكون عنوان هذه القصة قادرا على استيعاب كل عناوين قصص المجموعة؟، او ان هذا العنوان له دلالة ثرية حاملة لأكثر من تفسير وتأويل؟، أنا أميل الى الاتجاه الثاني وأتمنى أن تكون عناوين المجموعة القصصية لا تنحصر في عنوان قصة 
واحدة!.
القاصة (شمم الجبوري) تقدم مجموعتها القصصية (نافذة من ذاكرتي) الصادرة من دار السرد للطباعة والنشر والتوزيع سنة الاصدار 2021 وتحتوي على 17 قصة قصيرة، بتقديم من الروائية والقاصة التونسية {حبيبة محرزي} التي ترى في هذه المجموعة (النافذة) - بعضا من ذاكرتي أيضا كامرأة عربية تناضل بالقلم والكلمة- وتثني على القاصة ومجموعتها التي ستكون (منطلقا لكاتبة وقاصة تثري الساحة الأدبية والثقافية بالواقع)، ونحن تلمسنا ما ذهبت اليه القاصة حبيبة فالمجموعة تمثل عالما موازيا للواقع، واستطاعت القاصة شمم ان تستسقي تجربتها القصصية من الحياة مباشرة، وهذا يعبر عن دور موهبتها.
 
نافذة او قبو
في القصة التي تحمل عنوان المجموعة (نافذة من ذاكرتي) كان بودي ان تعنون بهذا الشكل (في قبو ذاكرتي) على الأخص القاصة تذكر هذه العبارة في استهلال وفي نهاية القصة "انزويت- اغلب قصص المجموعة تبدأ بالأفعال مثلا وقفت مرتين، تسرقني، جلست، قابلتها، قطع حبل افكار، خرجـت لم يخطر، ها هي تعبث- نكمل المقطع{ انزويت في نهاية الشرفة المطلة على الغابة.. كان لرائحة التراب المبلل بالمطر ذنب في إيقاظ مخزون الذكريات المعتقة والقابعة في (قبو ذاكرتي) ص52 في نهاية القصة (أبت تلك الصورة أن تفارق قبو ذاكرتي إلى هذا اليوم) ص57، إذا اعتبرنا العنوان مفتاحا للدخول الى النص فقبو الذاكرة بوابة توحي بأن للقصة حكاية مظلمة – كما سوف نرى- ان اهتمام القارئ وفضوله ونفسيته كلها تتأثر بالعناوين المثيرة الغامضة بعيدا عن الكلمات المتداولة والمباشرة، (القبو) أكثر ايحاء من 
(النافذة).
تمهيد لتنشيط الذاكرة الناقصة التي تحتاج الى من يكملها، فالبطلة شاهدت حدثا ما أفزعها لكنها لم تفهم حينها ما حدث، وجاء من يخرج المشهد من قبو ذاكرتها ويكمل الجزء الناقص من المشهد وهو المهم (دخلت بكامل أناقتي وبقوامي الممشوق وثقتي العالية) لو كان السرد ليس بضمير المتكلم لكانت مثل هذه عبارات الوصف والاعجاب ان تأتي من الافضل من الضيف وليس من الساردة - ألقيت التحية وأنا أتفحص 
ملامحه. 
– لا يوجد هنا وصف للرجل-. 
- اهلا بك/ أهلا سيدتي، عذرا قد جئت بلا موعد لكن الأمر مستعجل.. نحن من تعداد السكان.. أحتاج معلومات لأدوّنها هنا في الاستمارة وإذا ممكن مستمسكات العائلة" ص45، يتبين من مسار السرد والاستنتاج ان الرجل لا يعمل في هذه المهنة بل هو بحاجة الى مستمسكات العائلة لسبب آخر، وانه ليس كما يدعي عند زيارته للبيت عندما كان طفلا مع أمه (كنت أخاف من والدك.. كان يرمقني بنظرات تكاد تثقب رأسي).. (والدتي كانت تخيط الفساتين لسيدة المنزل - كذبة أخرى-، يتضح مما سوف تفعله هذه الزيارة وهذا الحديث بتنشيط ذاكرة الفتاة {تقدمت خطوة إلى يسار النافذة ممسكة الستارة بيدي، ولهول ما رأيت، آنذاك تحطمت طفولتي والبراءة وانا أرى تلك المرأة، لم أكن أفهم ماذا يحدث ولماذا المشهد تجرد وكأنه اشبه بالحلم) ص56، هنا وافقت القاصة في صياغة الحدث الاساسي وكذلك الحدث الافتراضي وجاءت شخصية الرجل خاطفة لكنها مؤثرة بينما تعددت الشخصيات الذهنية (ام هذا الرجل- الاب- ام الفتاة) توافق الخاتمة مع التقديم، والمغزى الدلالي للقصة {خرجت إلى الصالة لأجده جالسا يقرأ جريدته – تقصد الاب- تفحصته وتذكرت الحدث تحت ضوء القمر مع تلك المرأة مبعثرة الروح والملامح. لم أفهم ما يحدث حينها! لكن الذي فهمته، أنني أصبحت (صرت) أمقته كثيرا. أبت تلك الصورة أن تفارق قبو ذاكرتي إلى هذا 
اليوم} ص57 .
 
الخاتمة
 على هذا النحو تنتهي القصة، والقصة الناجحة هي التي تثير غرائز المتلقي وتجعله يشارك القاصة برسم وتخيل التوقعات، هل يمكن ان يكون هذا الرجل قد جاء للانتقام بسبب علاقة الاب بأمه؟، هل هذا الرجل يمكن ان يكون شقيق هذه الفتاة وجاء للحصول على المستمسكات لإثبات الأصل؟، كثيرة هي التساؤلات، وفي القصة غموض ناجح. معظم قصص المجموعة تعتمد على المفارقات المؤلمة، ويتكرر مشهد ظلم الرجل والمجتمع للمرأة، مجموعة قصصية تستحق 
القراءة.