الصناعات الغذائيَّة المحليَّة تغيب ونظيرتها المستوردة تتسيَّد المائدة

ريبورتاج 2021/06/10
...

  فجر محمد
اذا ما تجولت اليوم في الاسواق والمحال، فضلاً عن المولات، فانك على الارجح ستجد المنتجات الغذائية المحلية الصنع تحتل اركاناً صغيرة، ويكاد يكون حضورها خجولا بين مثيلاتها المستوردة من مختلف المناشئ، وتشير الاحصائيات والتقارير المتداولة مؤخراً الى اعتماد العراق على المنتجات الغذائية المستوردة بنسبة كبيرة جدا، بالرغم من وجود معامل موزعة ومنتشرة بين مختلف محافظات البلاد، الا ان انتاجها متواضع ولا يصل للمستهلك بشكل يرضي الطموح وينعش الاقتصاد المحلي.
 
إغراق سلعي
تحن ام سمير الى السمن النباتي العراقي من علامة (الراعي) كما تقول، وهي تمتدح تلك السمنة التي كانت تستعملها بشكل مستمر، فضلا عن باقي المنتجات من الصنع المحلي، وتصف الحاجة ام سمير المنتجات المستوردة اليوم بالخالية من الطعم ولا ترضي الذائقة العامة.
ويشير الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي الى أن اغراق السوق بالسلع والبضائع المتنوعة من مناشئ مختلفة بعد سقوط النظام السابق وانعدام القوانين التي تحمي المنتج الوطني، يكاد يكون امراً متعمداً للاضرار بالاقتصاد المحلي، وان عودة الصناعات الغذائية الى واجهة الاستهلاك من جديد تحتاج الى خطوات مدروسة وآليات صحيحة.
 
دعم الزراعة
تستذكر ام سمير المنتجات المحلية التي كانت تفضلها الاسرة وتحتل المائدة، خصوصا المنتج المحلي الذي فقد هيبته في السوق اليوم، فالامر لا يقتصر على السمن النباتي فقط، بل يتعداه الى معجون الطماطم والمربيات وغيرها من المنتجات التي كانت تأتي طازجة للمستهلك.
الباحث والخبير بالشؤون الزراعية الدكتور مهدي القيسي بين أن الصناعات الغذائية تستمد قوتها ودعمها من الزراعة، فعلى سبيل المثال عوضا عن رمي محصول الطماطم الفائض يتم تحويله الى معجون او عصير، وداخل المعامل المحلية والمصانع. 
 
بناء الثقة
ان اقتناءك للمنتجات الغذائية المحلية بعد الانفتاح الذي حصل في الاسواق والعلامات التجارية المتنوعة التي غزت السوق يعد بمثابة تحد كبير، فالخبيرة في التسويق والادارة والاكاديمية الدكتورة سماء الزبيدي بينت انه لا بد اولاً من بناء ثقة رصينة ومتينة بين المنتج والمستهلك، وذلك يتحقق بطرق متنوعة ومنها عرض عملية الانتاج في مواقع التواصل الاجتماعي، اذ تستذكر الزبيدي احد الاعلانات التي قامت بها شركة متخصصة بصناعة الالبان، فقد عرضت طرق التصنيع والخط الانتاجي باكمله، ما بعث الاطمئنان في نفوس المستهلكين من تحقق شروط الصحة والنظافة في عملية الانتاج، وتحث الزبيدي المستثمرين في قطاع الصناعات الغذائية المحلية على الالتزام بمعيار الشفافية وعرض خطوات الانتاج امام الافراد كي تشجعهم على استهلاك تلك المنتجات، وتفضيلها على غيرها من المستورد.
 
بنى تحتية
يشكو المستهلك اليوم من غلاء اسعار المنتج المحلي، ويعزو الباحثون ذلك الامر الى اسباب متنوعة، ويرى الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي أن هناك اساسيات تعمل على نجاح الصناعات الغذائية، ومنها العمل على ترصين البنى التحتية مثل الكهرباء والطرق وغيرها من الادوات المهمة التي تحتاجها الصناعات وبالاخص الغذائية، فضلا عن الدعم المصرفي الذي تحتاجه تلك الصناعات على غرار الكثير من دول العالم التي تمتلك مصارف صناعية واخرى زراعية، فضلا عن قطاعات مختلفة اخرى.
 
تقنيات حديثة
بينما يجد الباحث والخبير بالشؤون الزراعية الدكتور مهدي القيسي ان هناك ضرورة ملحة لادخال التقنيات الحديثة في الصناعات الغذائية المحلية، والعمل باجازات الاستيراد وفرض الضرائب على المنتجات المستوردة، وذلك لتوفير الحماية للمنتج المحلي.
 
الغش الصناعي
لا يخفي الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي أن هناك عمليات غش صناعي، فضلا عن ان هناك منتجات مستوردة تغيب عنها شروط الجودة الاصلية، فهناك بعض التجار يفضلون استيراد منتجات منخفضة الكلفة وعلى حساب جودتها، وهذا الامر ينطبق على المنتجات الغذائية، ما يشكل خطراً على المستهلك وصحته العامة.
 
الموارد المائيَّة
ازمة المياه التي رضخت لها البلاد منذ مدة ليست بالقصيرة، فرضت على الجميع العمل على تقنين المياه وعدم هدرها، ويبين الباحث والخبير بالشؤون الزراعية الدكتور مهدي القيسي ان عمليات التصنيع تحتاج الى استهلاك كميات لا يستهان بها من المياه، وفي ظل ازمة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري لا بد أن تكون هناك دراسة رصينة وتقنيات حديثة في الاستهلاك، لضمان نجاح عملية التصنيع من دون هدر بالمياه.
 
الأمن الغذائي
الاستاذ والاكاديمي المختص بتكنولوجيا وجودة الغذاء في جامعة بغداد الدكتور محمود عبدالله جاسم اشار الى توفر الاساسيات التي تحتاجها الصناعات الغذائية، ومنها الخبرة واليد العاملة، فضلا عن رؤوس الاموال القادرة على تشغيل مصانع متميزة، ويؤكد ضرورة تحقيق الامن الغذائي اسوة بدول العالم المتقدمة التي تهتم بالصناعات الغذائية وتعدها ركيزة مهمة من ركائز الاقتصاد الوطني، مبيناً ان هناك مساعي لوضع ستراتيجية وطنية لتحقيق الامن الغذائي.
 
قادة الرأي
في المجتمعات المتحضرة غالباً ما تتم الاستفادة من التأثير الذي يمارسه قادة الرأي والشخصيات المجتمعية في حث افراد المجتمع على تبني قضايا مهمة لها تأثير في الاقتصاد، وهذا ما تقترحه الاكاديمية الدكتورة سماء الزبيدي التي ترى ان الاستعانة بقادة الرأي والشخصيات الفاعلة في تشجيع الصناعات الغذائية من شأنها أن تسهم باستعادتها لمكانتها وتصدر قائمة المستهلكين.
 
البطالة
تشير الدراسات والتقارير الى ارتفاع نسب البطالة بشكل لافت للنظر، ما ينذر بمشكلات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وبمقدور قطاع الصناعات الغذائية امتصاص جزء بسيط منها.
ويوضح الاكاديمي والمختص بتكنولوجيا وجودة الغذاء في جامعة بغداد الدكتور محمود عبدالله جاسم ان تفعيل هذا القطاع الصناعي المهم والحيوي، من شأنه تشغيل اعداد لا يستهان بها من الخريجين والفنيين، فضلا عن ذوي الخبرة ومن لهم باع طويل في الصناعات الغذائية.
 
ثقافة ووعي
تثير العروض التي تقام على المواد والمنتجات الغذائية في الاسواق والمحال مخاوف عدد من المستهلكين، فمن المعروف ان المنتج الغذائي لا يمكن استهلاكه قبل يومين من انتهاء تاريخ صلاحية الانتاج، ولكن ما يحصل ان هناك اسواقاً تتعمد ادخال هذه المنتجات وتعرضها للمواطن باسعار زهيدة بالمقارنة مع مثيلاتها ذات تاريخ الصلاحية الاطول.
ويحذر الباحث بالشؤون الاقتصادية الدكتور ليث علي من استهلاك هذه المواد، حرصا على سلامة الفرد وصحته العامة، ومن وجهة نظر علي فان هذه الممارسات تحتاج الى ترسيخ الوعي والثقافة المجتمعية بطرق الاستهلاك الغذائي، وحث المواطن على الابتعاد عن تلك المنتجات، بل من المفترض أن يلتزم بتاريخ انتهاء صلاحية المنتج.
 
علاجات بيطريَّة
الباحث والخبير بالشؤون الزراعية الدكتور مهدي القيسي ابدى مخاوفه من بعض المنتجات الغذائية المستوردة التي قد تكون حاملة لبعض بقايا العلاجات البيطرية والمبيدات الحشرية، لهذا يشجع القيسي المنتج المحلي الذي يعده طازجا بالمقارنة مع المستورد الذي يحتوي على مواد حافظة ومجهولة المصدر.