(لم يَعُد الصمتُ ذهبيّاً)

ثقافة 2021/06/10
...

  ريسان الخزعلي
 
الكلام خرج عن أوهام فضته..،
والصمت لم يعد ذهبيّاً. 
كلّما هبط  الصمت للقطاف،
ترنّح الكلام في سكرته...،
 وحدك أيها اليوسفي،
تحمل قمصاننا لأخطاء المحاربين...
 
 ( 1 )
في كتابه الشعري (ألواح الحضور/ ألواح الغياب) يكون الشاعر/ الناقد علي حسن الفوّاز قد إستلَّ ورقته الجديدة من عمق ثنائيات تزاحم اللغة والكلام، فكل توصيف قد خرج عن دالته الأولى. فلا الكلام من فضة ولا الصمت منشغل بذهبيته.
إن َّ الحضور والغياب في هذا الكتاب قد اصطفّا ألواحاً تتوازى في متحف الألواح الشعرية..، واللوح جسد من طين، حفظ الصورة، صورة الكتابة والنطق، ماضياً وحاضراً ومستقبلا، وكان هدية الأوائل من الأسلاف. وما ألواح الحضور/ ألواح الغياب، والذي أستهلَّ بالعبارة (كتاب اهداءات)...، إلا مقاربة تواز لَوحِيٍّ جديدة تحسب على أنها انتباهة تخاطر يبتكرها اللا شعور المرتّب، حيث استذكار الشعراء الراحلين الذين يواصلون الحياة لا العيش في الحياة، وكذلك التلويح للشعراء من الذين يواصلون الحياة والعيش في الحياة ؛ إنهم جميعاً ألواح الحضور/ ألواح الغياب، وليس ألواح الحضور والغياب. 
وهذه ثنائية الكلام/ الفضّة والسكوت/ الذهب، وقد فقدت شيئاً من تأصيلها الوجودي، إلا أنها ناطقة آنيّ رغم الغياب المُر (محمد القيسي، ممدوح عدوان، كزار حنتوش، حاكم محمد حسن..،) وناطقة أكثر، بعد أن خُطّت في لوح الصمت/ الذهب وعلى مرأى من لوح الكلام/ الفضّة.. ( سعدي يوسف، قاسم حداد، مالك المطلبي، خزعل الماجدي، عبد الرزاق الربيعي، ابراهيم الخياط – قبل رحيله طبعاً، عبد الخالق كَيطان، عباس اليوسفي، نعيم عبد مهلهل، صالح زامل، جواد الحطاب).  
وهكذا كانت ألواح الحضور/ الغياب لوحاً واحداً..، لوحاً في الحضور، منه وإليه، مخطوطاً بالشعر (قصيدة نثر بتقنيات فارهة) وعلى ذاكرتين، ذاكرة تغمز الطين ايحائياً، وأخرى تقدم الكشف النصّي حروفياً على بياض الفراغ الذي ليس من طين.
 
( 2 )
الصياغات الشعرية/ النثرية في نصوص هذا الكتاب، حفريات أفقية معرفية صوريّة، باشتغال لغوي يقطف من كل ما هو رمزي حرارة حضوره بفاحصة نقدية، تستطيل حركة مجساتها وتستدق:
ماذا تبقّى من الجسد للانتظار..؟
وماذا تبقّى من القصائد للغوايات..؟
وماذا تبقّى من الفحولة للتناسل..؟
وما نصنعه ُ في الجنوب السومري،
 يصنعه ُ أصحاب الدببة في آلاسكا،
ومطربو البهارات في العلب الليلية،
كلانا يشعل الثلج والجسد واللغة والرصيف...،
العالم لا يحتاج إلى فلاسفة مؤدبين على طريقة السيد كانط!...
كتاب ألواح الحضور.. ألواح الغياب استدراك إضافي لقدرات الشاعر الإبداعية، بعد أن تشاغل واشتغل بالكتابة الفكرية والسياسية..، ولا يخفى أنَّ هذين النمطين من الكتابة يذهبان إلى الطبقات الجوّانية من العقل البشري، ويكشفان عن طبيعة تفكير الآخرين. ومن خلال هذا المرقاب، مضاف إليه حدوساته الشعرية، توغل الشاعر/ علي حسن الفواز/ إلى سرّانية وعي الآخرين المرصوفين في ألواح الحضور وألواح الغياب، وتداخل بشعريته مع أطيافهم الشعرية، ليكتب ألواحه لا ألواحهم، حتى وإن استعار وجوههم الروحية، إلا أنهم ما كانوا
أقنعته:
أنت َ آخر الدلمونيين المغسولين بماء الفضة والضحكات الندية..،
تتوهم دائماً أن العالم صالح للشعراء..،
وإن َّ الشعراء صالحون للنساء بامتياز..،
وإن َّ النساء صالحات للزوايا..،
والزوايا صالحة للخطيئة...