أثر التاريخ ودهشة الخيال

ثقافة 2021/06/11
...

  خضير الزيدي 
 
أكثر من محاولة فنية قدمها الفنان وسام زكو لتأكيد اثر التاريخ القديم في لوحاته، وآخر مهاراته الجمالية انجزها في دفتر الرسم المتكون من اربعة عشر عملا منسجما في تكوين فني يستوحي الرموز والإشارات القديمة، والحقيقة انه وجد نفسه مستسلما امام استشراف الرموز الدينية الغائرة في تاريخ الشرق القديم التي أحياها القدماء من ارض العراق ومصر، تلك النماذج الموظفة في تراكيبها وتخطيطها تعير المتلقي اشكالا ذا قدرة على مخاطبة الزمان والمكان فهي تفرز جمالية من حيث البناء وسمة شعورية من حيث المحتوى، وقد تحقق لوسام من قبل في اكثر من معرض أقامه في بغداد وعمان وواشنطن بأنه استعار الرموز القديمة ليس ببناء زخرفي إنما بدلالة وعلامة تتوفر على إبداء الموضوعي والمجرد معا، والغاية في مثل هكذا تجربة تعيدنا لقراءة التاريخ القديم حيث الخط الكتابي المسماري والعلامة المركبة ببعديها الايروسي والتعبيري، فهو ينشد للأصول والتمسك بالجذر التاريخي عبر خصائص فنية وأسلوبية تستثمر الاشارة ووحداتها. في دفتر الرسم المنجز الأخير نجد مسعى الاصالة، إذ يراعي الذهاب الى حمولات الاشكال ببعديها التعبيري والتجريدي ويزاوج بتقنية وبراعة بينهما، حتى أن المتلقي تذوب أمامه الهوامش امام متن بنائي منفتح على خطاب جمالي الغاية منه العودة الى الاصول، ومثل هكذا استعراض صوري او شكلي بأواصره المتينة يتيح للمتلقي الاضطلاع على بنائية مندفعة باهتمام عقلي وليس عاطفيا، إذن ثمة خيال غير معقد في شعوره تتعاظم فيه عوامل الحث على الموضوع بعيدا عن النرجسية، وهذا جراء تأمل البعد التاريخي لإشارات قديمة كأن يظهر فيها شكل الصليب او الارقام واللغة المندثرة، وما يبعث على الاهتمام بلوحته او دفاتر رسمه تلك الصياغة بتوحيد خطاب الاشكال والأسلوب كأنه يختبر مخيلته بعد أن تشبعت من الإرث الرافديني الديني والوجودي معا، ووفق هذا الاساس تتوزع التراكيب والوحدات الصورية لتوصل للمتلقي نتائج التوازن من غاية العمل. إننا ازاء فنان يتأثر بالمفهوم وينشد لعلاقات الشكل، وعليه يمكن القول بأن نتائج بحثه توصلت الى اكثر من معطى فهو يجنبنا رؤية الحركات المتكررة في الرسم ويسيطر من خلال ممارسته ومهارته على انسجام عناصر العمل ويحقق لنا العودة الى الاصول التاريخية المندثرة، وبهذا نتحسس بأن دفاتر الرسم التي تبناها بحساسية من الشكل المرهف اسهمت بفاعليتها بعد أن تغلبت عليها قدرة تعبيرية وهي بمثابة انعكاس بنائي له مصدر التأويل والمعرفة معا، يقتضي دفتر الرسم الفني ان يشير بإبعاده) من حيث الطول والعرض وعدد الصفحات) والتصميم النهائي يقتضي ان يؤدي وظيفته الجمالية والمعرفية وهذا يتطلب امكانية الوصول الى غاية معينة يبتغيها الفنان، وبما أن وسام زكو اولى للرسم اهمية في عقليته منذ زمن الثمانينيات فقد زاوج بين الخيال والابتكار ووزع البنية الشكلية لوحداته الصورية في عملية لا تبدو مركبة وصعبة انما ارتبطت بخياله وذاكرته بناء على أسس ثقافته الدينية والتاريخية، وهما كفيلان أن ينتهيا به الى مرسى الذوق الجمالي، ولكن وفق أي تلاؤم بنائي في دفتر الرسم؟، في الحقيقة تخطت اعماله عبر الحركة الداخلية لفعل الرسم وتوظيف الاشارات والرموز الكتابية والإيقونات الدينية الى انتاج صورة فنية تخلو من البعد الديني مثلما نرى شكل الصليب في دفتر الرسم، فالإشارة أكثر غورا في التاريخ وهي لم تعتمد التعقيد طالما لها خصائص قد تكون سردية تاريخية وليست دينية، نحن هنا ازاء انتاج خطاب معرفة ببعد شكلي قد يكون متعارفا في الوصف ولكنه مختلف في طريقة حمل الإرث التاريخي والاحتفاء به في بلدان الغرب.