التخدير الثقافي

الصفحة الاخيرة 2021/06/11
...

جواد علي كسار
في السبعينيات من القرن المنصرم، كان كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» واحداً من ركائز الثقافة؛ وأُشهد الله وملائكته ورسله وثلة من الأصدقاء ما زالوا ينعمون بالحياة حتى اليوم؛ أنني لم أتفاعل مع إطار هذا الكتاب وأطروحته قطّ، حتى وإن كانت بعض محتوياته صحيحة، بل ولو كانت محتوياته بأجمعها صحيحة!.
من الصنف نفسه لكن على نحوٍ أرصن قليلاً وأكثر قدرة على الاقناع، برز كتابا «أحجار على رقعة الشطرنج» و«لعبة الأمم» في مجال الثقافة السياسية داخل الإقليم العربي، واستحوذا على أصداء مهمّة، كذلك يدخل في النسق ذاته، الكتابات التي انتشرت في العالم العربي عن الماسونية ونوادي الروتاري.
قلتُ قبل قليل أن مشكلتنا مع هذا النمط من الكتب لا تكمن في المحتوى، فمن بديهيات العاقل أن يدرك بأنه مستهدف من العدو والخصم والآخر، والشعوب التي تغفو على جهلها بما يُراد بها ويُحاك ضدّها، تضيّع الكثير وتضرّ نفسها، وفي الحديث الشريف: «من نام لم يُنم عنه»، لكن الاعتراض يتّجه إلى الإطار الذي تصدر منه هذه الكتب والتصميم الذي تنطلق منه، وهي توحي بأن كلّ شيء مخطّط له بدقة، وعلى نحوٍ لا يمكن الانفلات فيه من مخططات الآخرين وبرامجهم، ما يؤدي إلى الشلل الداخلي والشعور بالعجز عن الفعل والمواجهة، والتسليم مقدّماً بهيمنة مشاعر الإحباط واليأس، وعدم الجدوى من فعل أيّ شيء، على اعتبار أن الأمر قد قضي، ولم يبق أمامنا سوى الاستسلام لقدرنا، والتسليم بهزيمتنا مسبقاً، قبل أن ندخل المواجهة، ومن دون أن نجرّب قدراتنا على الفوز وصناعة النجاح!.
ما أسميه بـ «التخدير الثقافي» هو احدى الوسائل الفعّالة لصناعة الإحباط وتقرير الهزيمة، وبما يرتبط ببلدنا تحديداً، لم نكن قد استرحنا بعد من كتاب «نهاية العراق» وما تنطوي عليه الأطروحة العامة من أغاليط، حتى راحت مواقع النخبة (أجل، النخبة المعرفية والإعلامية والسياسية) تضج على نحوٍ مكثّف، وهي تشيع حدّ الابتذال، ما يسمى  كتاب «محو العراق»!.
مهما كانت المقاصد، فإن إشاعة قصص «نهاية العراق» و«محو العراق» هي مساهمة منّا في تدمير أنفسنا، وهزّ ثقتنا بذواتنا، وتعطيل فعل التغيير، والتسليم لضرب من الشلل المعنوي والإحباط الداخلي والنفسي، الذي يجرفنا إلى الخدر الكامل واليأس المطبق، ولستُ أدري لمصلحة من نفعل ذلك؟.
هل هذه دعوة للانغلاق والإقلاع عن قراءة الآخر، وما يُكتب عنّا وضدّنا؟ أبداً، بل هي دعوة لكي لا نعين على أنفسنا، وبين الدائرتين؛ وعي الآخر وعدم السقوط ببراثن الإحباط واليأس، خيط دقيق يحتاج الإمساك به إلى وعي مستبصر!.