قوى التغيير

العراق 2021/06/14
...

ابراهيم العبادي
لا حديث في منطقتنا يعلو فوق خطاب التغيير ،ففي اغلب البلدان التي تتماثل معنا في ازماتها، أو تلك التي تعيش ازمات من نوع اخر، يسود الجدل في الشارع السياسي بحثا عن انموذج لحل الانسداد، ودعوات للتغيير، فقد بلغت الانظمة مرحلة الجمود وعدم القدرة على اجتراح حلول ترضي الشارع وتعبر الازمات بكفاءة وسلام.
تصميم مشاريع الحلول وتنفيذ التغيير الذي تنتظره الجماهير، عملية عسيرة محفوفة بالمخاطر، فالتغيير السلمي الهادئ يمكن تمريره في بلدان الديمقراطيات الراسخة والعريقة، ببرامج تتبناها نخب ذكية واحزاب حيوية فاعلة تعرف كيف تتماهى مع مطالب الجمهور وتتبنى رغباته، ثم تخوض حوارا مفتوحا، عبر فضاءات تواصلية، تصنع رأيا عاما وتدفع الى حسم الخيارات بين المتبنيات السياسية المختلفة والمتعددة عبر صندوق الاقتراع.
الانتخابات هي المحطة الاخيرة التي تحسم اتجاهات الرأي العام، بعد جدل سياسي وانتخابي وخطابات ساخنة مليئة بتصورات ورؤى القوى المتنافسة على السلطة.
في الدول التي تفتقد الى التقاليد الديمقراطية الراسخة والاحزاب الحيوية ذات الصفة التمثيلية الواسعة، تستعيض القوى السياسية عن البرامج المصممة بعقلانية ورؤية مدروسة، بخطابات الاستثارة والتعبئة والتهييج وتحريك الدوافع العاطفية والضغط على المكبوتات الداخلية لتفجير عنف رمزي - قد يتحول الى عنف مادي في اية لحظة  - وتحويل التنافس السياسي الى صراعات هوية واختلافات عقائد سياسية، وليس ستراتيجيات ادارة وحكم رشيد وتخطيط علمي وبرامج تنمية اقتصادية وسياسية وثقافية.
الرغبة في التغيير الذي تتطلع اليه الجماهير للخلاص من البؤس الاجتماعي والاقتصادي وترشيد الحياة السياسية، تصادره القوى المسيطرة بطرق مختلفة، تنجح فيها باستنفاذ طاقة التغيير في معارك الشعارات الكبرى، نجاحها هذا، يعكس خللا في وعي المواطن -الفرد، والوعي الجماعي للقوى صاحبة المصلحة في التغيير.
هذا التغيير لا يحصل في بلداننا سلميا لان هناك اعاقة سلطوية لمساراته (السلطة بالمعنى الواسع الذي يشرحه ميشيل فوكو)، فكل من لديه مصلحة في دوام السلطات القائمة يصبح عدوا للتغيير، وكل من تمكن من السلطة لايريد خسارتها بأي ثمن، ولذلك تنشط قوى السلطة لتعيد انتاج نفسها، مجتهدة في تسويق الوهم للجمهور، مفتعلة قضايا للصراع والصدام لاستجرار عواطف الناس وتخويفهم من عواقب التغيير المجهول، بسبب هذه المنهجية لاتعود انتخاباتنا جاذبة للمشاركة الواسعة، ولا مثيرة للتنافس الجدي على مشاريع بناء وتحول بنيوي، بل لن تكون في احسن حالاتها غير استبدال متطرف باقل تطرفا ،وشعبوي يحسن التلاعب بمشاعر الناس ويخاطب ماضيهم وذاكرتهم المشحونة المدماة، بآخر اقل شعبوية.