مختصات أم نسويات؟

ثقافة 2021/06/15
...

ابتهال بليبل
لا شك في أنّ الاجابة عن سؤال: (هل أصبحت النسوية من الأنظمة المعقدة التي تشكك في حقيقية أن غالبية النسويات في العالم قديماً وحديثاً هن صحافيات وأديبات؟)، تطلعنا على نقاط الاتفاق والاختلاف بين الناشطات المدنيات والمشتغلات بالفكر. وكأن النسوية خلال تاريخها، لم تقم بحملات حقوق المرأة من جهة، ولم تعد تغري الناشطات غير المندكات في عالم الأدب والصحافة من جهة أخرى، لأن طبيعية الاحتجاج تغيرت –كما يبدو- ولم تعد تناسب إلّا المختصات.
يظهر ذلك بوضوح في عدم مشاركة غالبية المشتغلات بالتنظير الفكري في النشاطات النسائية المتعلقة بحركات وحملات العنف ضد المرأة والاغتصاب، وغير ذلك من وقفات واحتجاجات على أرض الواقع أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، وينحسر نشاطهن على الورق فحسب.
لكن إذا كانت النسوية العصرية حصراً على المشتغلات بالفكر -كما يظهر لنا- فلماذا يستثنين أنفسهن من المشاركة في الحركات والمسيرات الاحتجاجية؟. 
لذا نجد أن المشتغلات بالفكر والتنظير غالبا ما يقعن في فخّ الامتيازات والإيجابية القمعية لدرجة نسيان أن الجهد النظري هو في الواقع (مقاربات نقدية لخطابات نسوية) تضم أفكاراً نابعة من حراك له صلة بيوميات المرأة.
وهكذا نشهد، في أيامنا هذه، تحول النّسوية إلى تمرين فكري محاطاً بهالة من الرقابة الأيديولوجية، فيبدو واضحا أن التركيز يكون بشكل ضيق للغاية على حقوق المرأة الآن وغير مكترث بالقضايا ذات الصلة بالعرق والعنصرية والتمثيل الجنسي ورهاب مجتمع (الميم) والمواد الاباحية وغير ذلك من تجارب الانتهاك التي تعاصرها المرأة الآن وليس تلك التي ترتبط دوماً بالموجة النسوية الثالثة. 
لكن المثير للاهتمام هو أن كثيرات من المشتغلات بالفكر النسوي يتم تصنيف ممارساتهن في خانة احدى الأيديولوجيات التي تناهضها الحركات النسوية المعاصرة.   
إنّ الاشتغال يفترض ضرورة التركيز على المرأة المعاصرة.. هذا التركيز يتحدد انطلاقاً منها، المعنى وذاته معاً من النسوية الآن. وهذا لا يعني أن التنظير فقط أو بتعبير أفضل، أننا بحاجة أن نكون امتدادا للامس.. نذوب معه حتى نستمر، لا أن نتجمد ونهمل ما يحدث الآن. 
فعندما نأخذ حال المرأة ميدانيا ونبدأ بتحليله قد نستند على خطابات نسوية مقاربة وقد نشكك فيها ونقدم خطابات جديدة تحرك الواقع الثابت وتحوله بما يتلاءم مع خصوصية الواقع الراهن أو نساندها.. ولكن حتى في المساندة قد لا نفلت من ازدواجية الكتابة والفعل الذي تحدد مجاله الأيديولوجيات. فممارسة الكتابة ليست مجرد نقل بسيط للنظريات والأفكار، كم أنها تتجاوز مجرد التحدث عن تجربة أو موقف ما.. إنها تقوم بتحريك الخطاب عن مركزه لإنتاج معرفة خاصة. 
ويبدو أننا كنسويات صحافيات وأديبات بحاجة اليوم لتأسيس اشتغالات كتابية (غير فردية أو عشوائية) نابعة من حراكنا اليومي الذي يحدث في كل مكان.. اشتغالات توثق الأحداث النسائية وأخبارها وتحللها بعمق فكري.. تلك الأحداث التي نشارك فيها على أرض الواقع. ولكن الأهم من ذلك هو أن النسوية ما تزال بحاجة إلى عمل دائم.. وهذا العمل يحتاج الى تضافر جهود ميدانية وفكرية تحاور العصر بكل متغيراته المتسارعة.