«زوجات منسيَّات».. ضوء على «سيدة برنارد شو الجميلة»

ثقافة 2021/06/15
...

 دونا فيرغسون
 
 ترجمة: ليندا أدور
 
في المشهد الأخير الذروة من رائعة الكاتب جورج برنارد شو «بجماليون»، يهدد هنري هيغينز، على نحو معروف، إليزا دوليتل بأنه سيدق عنقها، لتجيبه «دقها الآن»، مضيفة «أوه، عندما أفكر في نفسي، كيف كنت أزحف تحت قدميك ويُداس عليَّ وأنعت بشتى الأوصاف، عندما كان يتوجب عليَّ طول الوقت، أن أبذل جهدا لأصل لمستواك، كان بإمكاني فقط توبيخ ولوم نفسي». 
حتى الآن، كان يعتقد أن مسرحية شو، عن بائعة الزهور التي تحولت الى دوقة على يد البروفسور الثري، فيها القليل من القواسم المشتركة مع حياة الكاتب المسرحي الكبير نفسه. لكن، كتاب جديد، سيسلط الضوء على الإسهامات المهمة التي قدمتها زوجة شو، شارلوت، كوريثة ومفكرة، لعمله وليكشف لنا كيف أسهمت علاقاتها وتأثيرها في تغيير حياة ومسيرة شو المهنية تماما؟.
 
صناعة السمعة
تقول آن أوكلي، مؤلفة الكتاب الذي سيصدر صيف هذا العام، وسيحمل عنوان «زوجات منسيات»: كيف أُغفل ذكر المرأة في الـتاريخ» بأن: «قبل أن تلتقيه، لم يكن معروفا أو ناجحا على الإطلاق». تشير أوكلي، عالمة الاجتماع والسياسة الاجتماعية بكلية لندن الجامعية، الى أنها وجدت دليلا، الى جانب اقتراحها لموضوعات مسرحياته، على أن شارلوت شو، (أو ني باين تاونسيند)، كانت تسهم وبشكل فعال في عمل زوجها ككاتب، إذ كانت تقرأ كل شيء يكتبه، فضلا عن تحرير وتنقيح الكثير من أعماله». 
تنحدر شارلوت من أسرة أنجلو-آيرلندية ثرية، اذ استغلت الأموال التي ورثتها لتمكن زوجها من التفرغ للكتابة كامل الوقت، بعد زواجهم في العام 1898، تقول أوكلي: «لقد دعمته ماليا ليتمكن من صناعة سمعة لنفسه من خلال مسرحياته». كانت تساعده في عرض وتقديم العديد من مسرحياته لأول مرة، وتقترح عليه من سيؤدي الأدوار في بعض منها، لم يكن شو يعرف العالم بذات الطريقة التي عرفتها هي فيه، فقد كانت شديدة الاهتمام
بالدراما». 
عرضت العديد من مسرحيات برنارد شو في جمعية المسرح، ويعود الفضل في ذلك الى تأثير زوجته، وقد أحدث ذلك فرقا كبيرا في مسيرته في ذلك الوقت، تقول أوكلي، مضيفة: «اعتبرت العديد من أعماله فضائحية ويصعب عرضها للعامة، لكن من دون شارلوت، لم يكن لينجح كما كان، وكان يتوجب عليه أن يناضل أكثر من ذلك بكثير». 
 
زوجات العظماء
مع ذلك، فقد تم اختصار دورها من قبل كتّاب السيرة الذاتية في الماضي الى مجرد «سكرتيرة»، بالرغم من حقيقة أن جورج برنارد شو كان قد وظف بالفعل واحدة للقيام بكل المهام السكرتارية الخاصة به. «إن الطريقة التي تمت فيها الكتابة عن إسهاماتها هي أنها: كانت زوجته، وكانت تتولى طباعة جميع مخطوطاته»، تقول أوكلي مضيفة: «لم تمنح أي اعتبارات فكرية، في الوقت الذي كان الكثير من عملها هذا تعاونيا». فمسرحية «القديسة جان»، على سبيل المثال، كانت من أفكارها، تقول أوكلي: «وقد كان ذلك معروفا لدى كتّاب سيرة شو، لكن عليَّ القول إنهم كتّاب ومؤرخون ذكور، لذا، هم ببساطة، لا يرون أن أي شيء قامت به شارلوت يمكن أن يكون بتلك الأهمية، هم لا يضعون في الاعتبار الأدلة التي أمامهم».
كمثال على ذلك، يقدم الكاتب المسرحي لورانس لانجنر، في كتابه الذي يتحدث فيه عن صداقته مع برنارد شو، وصفا للزيارة التي قام بها الى منزل شو في العام 1922، التي سألهم خلالها عما إذا كانت هناك مسرحيات جديدة تلوح في الأفق، لتيجبه شارلوت قائلة: «المشكلة تكمن في أننا لم نعثر على موضوعة جيدة»، فكتب لانجنر يقول: «كان لا بد ان تبدو عليَّ الدهشة، اذ واصلت كلامها بالقول، «أجل، في بعض الأحيان أجد افكارا لمسرحيات هذا العبقري (تقصد به شو)، وإن عثرنا على موضوعة جيدة، فعادة ما يكتبها بسرعة».
لم تحظ شارلوت بأي اعتبار او تقدير للمساعدة التي كانت تقدمها لشو: «كانت متواضعة للغاية، وأعتقد بأنها كانت لا تريد أن يعلم الناس بمدى أهميتها في عمل شو، لكيلا يقلل ذلك من احترامهم له». ونتيجة لهذا الدور الاستثنائي الذي لعبته شارلوت في حياة زوجها، والذي تم تجاهله على الدوام، تقول أوكلي: «أخشى انه الحكم الذكوري المتسلط، فشارلوت هي واحدة من العديد من النساء اللواتي تم التعامل مع حياتهن بعدم احترام، لأنهن كن متزوجات من رجال عظماء، وكان يفترض ألّا يقمن بأي شيء
مهم». 
 
جورج العملاق
لهذا السبب، تثير أوكلي في كتابها الجدل بشأن العمل الفكري المستقل الذي كانت تقوم به شارلوت، قد نسي تماما، أو انه قد نُسبَ الى شو. كمثال على ذلك، قامت شارلوت بترجمة مسرحيات الكاتب يوجين بريو، النظير الفرنسي لشو، الى الانكليزية، لأول مرة، وهو إنجاز لطالما حُسبَ لشو. تذكر أوكلي أن شارلوت كانت المؤسس لكلية لندن للاقتصاد، اذ قامت باستئجار المبنى حيث بدأت الكلية، «كما قامت بمنح برنامج يبحث في تاريخ المرأة، وقد كان الأول من نوعه الذي يبحث بما مرت به المرأة قبل الثورة الصناعية». عملت شارلوت، لسنوات، على كتاب «أعمدة الحكمة السبعة» لتي إي لورنس (المعروف بلورنس العرب)، وهناك ما يدل على تأثيرها الكبير على مؤلفات لورنس والتي كانت أساسية لنجاح عمله». لم يكتشف شو مراسلاتها مع لورنس إلا بعد وفاتها، اذ كان قد كتب لها عن إعجابه بقدراتها في الكتابة، ملمحا إلى انه قد خمّن مدى مساعدتها لشو في عمله، إذ كتب لها يقول: «يمكنك كتابة المسرحيات بنفسك، أو جزءا منها، لا تتخيلي أنني بهذا الكلام أعني أن جورج ليس عملاقا، ونحن صغار، بل المقصود هو كم مرة أخذت
 بيده؟».
 
*صحيفة الأوبزرفر البريطانية