وليد رشيد.. تكوينات تستعرض الغرابة ورسوم تغري بحسيتها

ثقافة 2021/06/16
...

 خضير الزيدي
لا يمكن لنا ادراك معزى الاعمال الفنية لوليد رشيد، بعيدا عن استحضار العقل والتأويل بعد رؤيتها، فهو خزاف ماهر وفنان يجيد التلاعب بالفرشاة ويجسد حدثا ليجد له ذاكرة ويرينا نتائج بعده الجمالي واستعارته المعمارية، وقد يبدو فنان مثل وليد مربكا لنا لما تحمل اعماله من غرابة شكلية لكن في حقيقتها هي نداء صارخ ووثيقة احتجاج لما تؤول اليه الاوضاع من دمار وتخلف كأنه يوفر خطابا معرفيا عبر آلية الخزف والرسم معا ليضعنا حيث تحولات الفن ومنظومته.
 
فالذائقة التي ترافق اشكاله يحسب لها ان تأخذ التفسير في الوصول لغايتها وبما ان فن الخزف من الفنون المتعبة والشاقة فقد ابدى الفنان مرونة بان يتمسك به لأنه يأتي بتحديد مسار خاص لتوثيق نتاج العقل.
هكذا افهم اعماله التي ترافق هذه المقالة، تمتلك غرابة شكلية وتحافظ على خصوصيتها الثقافية فكيف تنجح رسالته بالوصول لمتلقي لا يمكن ان يميز بين تأثير الخزف شكليا وجماليا ورسوم تحتفظ بخطوط وألوان تتولد من عوامل رؤية تتزاحم فيها عملية التصميم مع الاثارة الحسية .
انها بحق اشكالية تواجهنا  ونحن نقف عند اعماله .
عرف عن وليد رشيد بأنه خزاف مختلف يترك العاطفة كعنصر اشكالي في الفن ويفرد للتأويل مساحة شاخصة في فنه فلا تعدو تكويناته الخزفية الاخيرة ذات توجيه جمالي او شكلي فقط بل يحدد له مرجعية تحتضن الموروث القديم وبها يتم توجيه عناصره الفنية وفقا لرسالة تتغاضى عن التفاصيل لحساب العقل وكشف دلالة العمل ،انه يمارس الاختلاف وفقا لفهمه للفن وليس لرغبة المتلقي لهذا  نحتاج لوقت كي نفهم اسباب هذا التوجه الفني والفكري معا ونعير وقتا لنصف العلامة في تكويناته .
لا اجد ضيرا في القول ربما تخلو منجزاته من قدرة على التخاطب مع المتلقي وهذا يعود لنزعة التراكيب الشكلية في متنها البصري وتشويش في انسيابية ايقاعها فهي تارة طوطمية تستجيب لفعل الغرابة ومرة تراها ذات اثارة حسية على شكل هيئات متموجة تحمل طابعا تأمليا هذا كله عائد لترسبات ذهنية غير متعارف عليها في فن الخزف من هنا نجد  اختلافه عن اقرانه من الفنانين انه يهيم بالغواية في خلق تكوين فني فيوسع من افق العقل ليحدد لنا تأويل العمل ،وليد فنان يتعاطى مع المختلف في الفن من اجل الفن وليس للتغني به شكليا،الطريقة التي يعمل بها ذات طابع غريزي انفعال في المظهر،مزج المهارة مع التدريب ،تعقيدات في الشكل الخارجي مع وجود ثوابت راسخة في مستوى الموقف من الفن .
كل ما يسبغ عليه في طريقته وبنائيتها يعيد له فهم ضرورة الفن بيننا انه يتطلع لوصف الزوال برمز الوجود كيف يحدث هذا لا اجد ما استطيع ان اعبر عنه ...يشتغل وليد رشيد بحساسية مرهفة مع لوحات الرسم اذ يظهر فيها الجانب الحسي مليئا بالمهارة بينما تخبئ تكوينات الخزف حمولاتها الدلالية فهي تخوض غمار عملية التحول بعناية تغري من يبصرها للوهلة الاولى   اما في الرسم تبدو عملية التجريد ذات مظهر يبعث الاحساس بجمالية الشكل على حساب المحتوى على العكس من اعماله الخزفية تتخطى الشكل لتجد عناصر رؤية لا تتواطأ مع أي مشهد قريب منها هذا يجعلنا نعي امرا لا بد من التصريح به بان وليد يمارس حرية في الرسم بشغف استعراضي وحسي بينما يوجه خطابا بصريا وفكريا في الخزف كأنه يسعى ليكمل ما بدأه من تلخيص لمغزى الفن .
ما اود قوله عن وليد ان تكويناته الخزفية لم تعر اهمية لموضوعات شعبية مثلما فعل الغالب من النحاتين من الجيل الستيني مثلا ولم يوضح انتماءه ونزعته لحضارته انما وضع المتلقي امام موضوع اشكالي يتمثل بجعل الفن معالجة لهموم انسانية عامة لا تتحدد بمكان وبيئة شرقية خاصة فهو لا يدعو لفن غريب او فن خاص بطابع اسلامي مميز ولا فن شعبي تتضح فيه معالم البيئة المحلية بل يقدم بحثا خاص بهوية الخراب المرافق للوجود الانساني.
ما يحسب له انه وضع قواعد خاصة بتنظيم العمل الفني اقربها لنا ما بينته بنائية تكوينات الخزف من اثارة وعودة لاستحضار العقل وإقصاء العاطفة ونحن نتأمل اعماله الاخيرة التي تدهش المتلقي بوحدة موضعها ورسالتها