بين التوحيدي وكافكا
ثقافة
2021/06/17
+A
-A
طالب عبد العزيز
السوداوية والقنوط والذات المحطَّمة عند كافكا تأتت من اضطرابه النفسي والوجودي، ومن أزمته في محيطه الاجتماعي أكثر من قلقه الديني وإيمانه، مع فاعلية ذلك فيه، في حين كانت قضية الايمان عند التوحيدي هاجساً مركزياً، قبل أن يعثر على ضالته في التصوف، الذي اتخذه منفذا للمراوغة والهروب من هيمنة السلطة الدينية، الامر الذي ذهب اليه الكثير من الذين تحدوا السلطة في مرحلة ما من تفكيرهم. نحن لا نستشعر قلق الايمان عند كافكا بوضوح، على الرغم من أزمته في انتمائه العرقي والديني، لكننا، نستشعره كمحنة تتعاظم في كتب التوحيدي عبر لغته التي فرَّ بها الى التعمية، مع اشاراته الى ان غير ذلك.
عانى التوحيدي من قضية الايمان والاعتقاد حتى اتهمه ابن الجوزي علانية بالزندقة حين قال: "زنادقة الاسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وابو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري، ثم قال وأشدهم على الاسلام ابو حيان، لأنه (مجمجَ) ولم يصرّحْ -المجمجة في بعض معانيها التعمية- ومن الأمانة هنا نقول بأنَّ بدويّ كرر في أكثر من موضع بالمقدمة جملة (مع أننا لا نملك الوثائق الكافية في المسألة هذه) حتى بدا أنه يحاول نفي تهمة الزندقة عن التوحيدي، لعله كان يتفادى هيمنة الأزهر التي كانت طاغية.
لكنَّ، التوحيدي لا ينفك يقول (الّلهم) ترى كيف تسنى لابن الجوزي اتهامه بالزندقة؟، هل أخرج التوحيدي المفردة هذه من معناها المطلق بالإيمان الى فضاء آخر؟، ربما، فالمتصوفة كثيرا ما يخاطبون الذات العليا (الله) بالحبيب، لكننا نرى التوحيدي في مناجاته مضطرباً بين يقينه وعدمه، وبين إيمانه وإلحاده فهو يقول: حبيبي، أما ترى ضيعتي في تحفظي، اما ترى تفرّقي في جمعي؟، أما ترى دعائي لغيري مع قلة استجابتي؟، اما ترى ضلالي في اهتدائي؟، أما ترى رشدي في غييّ؟، أما ترى عييّ في بلاغتي؟، أما ترى كموني في ظهوري؟، وبهذه يقارب بدوي بين قضية إحراق التوحيدي لكتبه والتي يقابلها مع ما أراده كافكا لكتبه أيضاً، أليس هو الذي يقول: أنت عابرٌ، ووجودك عابرٌ، فاجعل كل نتاجك عابرا، فالوجود لا تتفق معه إلا الكلمة العابرة.