استخدام القناع رمزا للتعبير عن استعادة الإيمان في قصيدة (مارينا) لإليوت

ثقافة 2021/06/17
...

  محمد تركي النصار
في تلك الفترة بدأ إليوت بكتابة نوع مختلف من القصائد في ما يعد تعبيراً عن الانسحاب من العالم الخارجي واستغراقا في العالم الداخلي مهتديا بإيمانه المسيحي (الجديد).
(مارينا) التي نشرت عام 1930 تعد من قصائد إليوت الشخصية المؤثرة في الوجدان والتي تبحث في مفهوم الأبوة، مستثمرة ثيمة استعادة ابنة ضائعة في مسرحية بريكلس لوليم شكسبير، فمارينا هي اسم ابنة بريكلس الذي لم يرها منذ الولادة بسبب هروبه من عدوه ليواجه مختلف أنواع التعاسة والتهديد في اليابسة والبحر كذلك.
وفي الفصل الخامس من مسرحية شكسبير يكتشف بريكلس بأن الفتاة التي ترقص وتغني أمامه في إحدى المناسبات هي ابنته التي تذكره بزوجته ثيسا إذ يكتشف بأن زوجته ماتت عندما ولدت الفتاة:
 
أي بحار 
وسواحل، أي صخور رمادية وجزر
 وأي ماء يحتضن السفينة
أي عطر صنوبري
وأي شدو لطائر في الضباب
أهٍ يا ابنتي
 
الأبيات الخمسة الاولى للمقطع الأول من قصيدة (مارينا) تتناغم مع صدى الأسئلة التي يتساءل بشأنها هرقل في العبارة المقتبسة بالاستهلال، هنا الصورة المفرحة لبنت بريكلس المستعادة تكون مربوطة بمرجعية شريرة لهرقل.
ففي استيقاظه يستعيد هرقل كيف أنه قتل أطفاله في نوبة جنون، وفي حالة بريكلس فإن المشاعر تكون متناقضة عن حالة هرقل لكن السؤال يحمل الحدة نفسها ولكن بمشاعر عكسية:
 
الذين يشحذون ناب الكلب
يقصدون الموت 
الذين يبهرجون الطائر الطنان
يقصدون الموت
 
المقطع الثاني المكون من ستة الى سبعة ابيات يرتبط بكآبة بريكلس في الماضي مع ما يعطي ولادة للفكرة الشريرة للموت في عقل وروح الأب حيال ابنته، كل شيء جعله يفكر بموت زوجته وابنته:
 
هم يتضاءلون، تنهككهم الريح 
وشذا الصنوبر وغناء الضباب
والرحمة التي تحل في المكان
يا للوجه الأقل صفاء
يا للذراع الواهنة 
 هل هذه هبة أم قرضة 
****
أبعد من النجوم وأقرب من العين
همسات  وضحك متقطع بين أوراق الشجر والأقدام الراكضة
تحت النوم حيث تلتقي جميع المياه 
 
المقطعان الثالث والرابع تسود فيهما نغمة التفاؤل، حيث رائحة شجرة الصنوبر تنتشر بواسطة الريح عندما تصل مارينا الى بهاء السلام، هنا تستبطن القصيدة مشاعر الأبوة بالتركيز على استعادة بريكلس لابنته في مسرحية 
شكسبير:
 
الجليد يكسر مقدمة السفينة، والطلاء يتهرأ بالحرارة 
أنا فعلت هذا،  ونسيت
وها أنني أتذكر الحبال واهنة والأشرعة ممزقة
بين شهري حزيران وأيلول 
غير عارفٍ ما الذي جرى نصف واع 
 
هنا الأبيات الأحد عشر ليست واضحة بشكل تام لكننا أمام مقارنة بين بزوغ وجه بقارب يرتفع ببطء أو سفينة تظهر في مياه البحر، وجه مارينا يظهر مميزا لبريكلس تدريجيا.
وخلال مشهد مسرحية شكسبير نرى غبطة بريكلس، إذ يسمع الموسيقى التي لا يسمعها بقية الحاضرين معتقدا بأنها موسيقى الجهات 
كلها.في قصيدة مارينا يستخدم إليوت صورا مؤثرة وايقاعات خاصة بالتوازي مع مشاعر الدهشة التي تنتاب الأب الذي هو المتحدث في القصيدة، هنا الأمواج والعودة مهمة جدا ليس في ما يخص ثيمات القصيدة فقط بل البناء أيضا.
العنوان والعبارة المقتبسة يكونان متضادين. بريكلس يكتشف بأن ابنته المفترض انها ميتة هي في الحقيقة حية. حقيقة سينيكا مرعبة، هرقل هناك يكتشف بأنه في نوبة جنون قتل أطفاله.
وتلعب بعض أماكن نشأة إليوت دورا في بناء جو القصيدة ومشاهد الضباب التي تزحف من شكل وبناء القصيدة الى مضمونها أيضا.
صورة القارب تسيطر على هذه القصيدة، وايقاعات النص تشبه في حركتها الأمواج وتنتصر صور الحياة على صور الموت راسمة مشاهد يغمرها الحس بالتفاؤل في نبرة تختلف عن معظم 
قصائد إليوت.