د.نازك بدير*
مع اقتراب موعد الامتحانات الرسميّة للشهادة المتوسّطة وللبكالوريا اللبنانيّة، وفي ظلّ المتغيّرات الجذريّة التي أرجعَتْ لبنان سنوات ضوئيّة إلى الوراء، تضع لجنة الامتحانات الرسميّة ولا سيّما المسؤولون في وزارة التربية أنفسهم في مواجهة مع الطّلّاب؛ هؤلاء لن يكونوا هم الممتحنين، إنّما اللجنة التي تقرّ الأسئلة استنادًا إلى معايير بعيدة من الواقع الطّالبيّ.
ولعلّ السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال: هل لا يزال ممكنًا أن تطرح في الامتحان سؤالًا عن السريّة المصرفيّة بعد أن نهبت المصارف أموال المودعين، وحوّلتها إلى الخارج، وأنفقت قسما منها لسداد الدّيون؟
كيف ستسأل اللجنة عن المواطنيّة، وحريّة الرأيّ، وحقوق المواطن في مكان يتلقّى فيه الفرد يوميًّا أسوأ دروس الذلّ، والقمع، والحرمان من إنسانيّته؟
وماذا عن الأسئلة الخاصّة بمادّة الجغرافيا؟ وبحيرة القرعون- على سبيل المثال لا الحصر- تلفظ أطنان الأسماك الميتة؟ هذا فضلًا عن الأنهار الملوّثة التي تصبّ في
البحر.
وتسألونهم بعد ذلك كلّه عن الثروة المائيّة؟! أمّا الثروة الحرجيّة، فأصبحت في خبر كان؛ الكسّارات نهشت الجبال على مرأى من وزارة الداخلية والبلديّات.
أيّ مواطن صالح بذرتم؟ وعن أيّ تنشئة تبحثون؟
ثمّة انفصام بيّنٌ لا لبس فيه بين واقع المتعلّمين، وما يواجهونه في الامتحانات الرسميّة وفي برامجهم الدّراسيّة على حدّ سواء. لعلّ عمْر أزمة تحديث البرامج يتواءم مع ما يمرّ به الوطن، فمنذ سنة 1997 وضِعَت ولا تزال قيد التجربة، على أمل التّعديل، والتّغيير.
يجد الطالب نفسه على تماس مباشر مع المستجدات التقنيّة، ويواكب ما يحصل على الصّعيد التكنولوجي بشكل دائم تقريبًا، ولكن على الطّرف المقابل، هو أسير برامج مدرسيّة مهترئة لا يستطيع الفكاك منها، ما يجعله يعيش صراعًا بين الواقع، وما يصبو إليه.
آنَ لهذه اللجان مجتمعةً أن تخرج من القوقعة والانعزاليّة، وتنطلق بما يتناسب مع حاضر الطّلاب ومستقبلهم، وتنسج برامج تتوافق وروح العصر، وتنسجم مع تطلّعات الجيل الجديد، وتعكس حقيقة ما آلتْ إليه الأمور، وتمنح الطّالب فرصة المشاركة في بناء مستقبل جديد، فلا يكون نسخة هجينة عن مسخ وطن.
أكاديميّة لبنانيّة