العجوز الحكيم

الصفحة الاخيرة 2021/06/17
...

حسن العاني 
 
محمد علوان الجبوري، ذلك هو اسم (خالي)، أصغر اشقائه، من مواليد الحلة 1938 لاسرة تمتهن الزراعة، وانتقل الى بغداد أوائل العقد الستيني واستقر فيها، وتزوج من ابنة عمه عام 1966، وترك عمله الزراعي منذ انتقاله الى العاصمة وانصرف الى الاعمال الحرة حيثما تهيأت الفرصة، فمن عامل بناء الى سائق تاكسي، ومن صباغ دور الى بائع اقمشة والى ..، وكان الرجل في ذلك كله متعافياً راضياً برزقه قادراً على توفير أسباب الحياة المقبولة لاسرته، وبذل ما بوسعه لكي يكمل أبناؤه الخمسة دراستهم العليا ويحصلوا على وظائف 
مرموقة . 
ذلك هو خالي، شخصية عصامية وجادة وواقعية، ولا يفكر بنفسه فقط، والغريب حقاً انه وقد تجاوز الثمانين من العمر، لا يقرأ ولا يكتب ولكنه حرص على مواصلة أبنائه واحفاده دراستهم الى ابعد شوط واعلى مرحلة، على ان أهم ما يميزه يتمثل برجاحة عقله وسخاء يده وتجربته الحياتية العريضة، فقد وهبته هذه الميزات ما يكفي من الرؤية الثاقبة وجعلت منه حكيماً، لا يفكر بعواطفه او يندفع كما نندفع نحن وراء 
امزجتنا. 
يحضرني الآن موقفه الذي كنت شاهداً عليه، اذ كنا في (زيارة جماعية) له قبل مدة من الزمن قد لا تزيد على السنة، وحصل ان اختلفنا اثناء الحوار الفوضوي بيننا في تفسير أوضاع العراق المتأزمة، سواء عبر المناوشات والاتهامات المتبادلة بين المركز والاقليم، أم بين اطراف العملية السياسية، فاحدنا يرى الحق مع هذا الطرف، والآخر يراه مع ذاك الطرف واحتدم النقاش وتحول الى جدل عقيم لافتقار الجميع الى الدليل او الحجة الدامغة، فجأة تدخل خالي قائلاً {مع الأسف يا أولاد، اصبحتم رجالاً ومع ذلك لا تحسنون تفسير الازمة الحقيقية التي تشهدها البلاد وهي ازمة قديمة، لم يسأل احد منكم نفسه: كم عدد المشاريع السكنية التي تم إنجازها، وكم عدد المستشفيات والجسور والمدارس وكم..}، قاطعته وسألته {ما علاقة المشاريع 
بالأزمة ؟!} فأجابني {انا اعتب عليك يا ولد بالذات أن تفوتك هذه المسألة البسيطة؟، هل تعتقد لو ان الجماعة عندهم عمل او شغل او منصرفين للبناء وخدمة الناس وراحتهم وسعادتهم كان صار اللي صار ؟!} الحقيقة لم يخطر ذلك على
بالي!.