لميعة عباس عمارة.. نورسة الشعر فصيحه وعاميه

ثقافة 2021/06/19
...

 علوان السلمان
ذات يوم رددت الشاعرة لميعة عباس عمارة مع نفسها:  قد لا أكون شاعرة كبيرة ولكني ما كنت يوما إنسانة صغيرة. لميعة عباس عمارة يمتزج عندها الحبيب بالوطن في كل مجاميعها الشعرية.. فهي التي تقول في مقدمة مجموعتها (لو أنبأني العراف):  كل شعري قبل لقيـاك سـدى وهباء كل ما كنت كتــبت اطو أشعاري ودعها جانـباً وادن مني فانا الـيوم بدأت.
انه صوت النورسة التي عانقت فقاعات دجلة في زغبها اذ الولادة في بغداد الكرخ 1929 فالارتحال صوب رائحة الهور وعطر السنابل والحصاد وأهازيج النسوة وغناء الطفولة في أحضان العمارة/ قلعة صالح عام 1932.. وهناك نشأت وأكملت دراستها الابتدائية والثانوية.. ثم العودة ثانية إلى بغداد لإكمال دراستها في دار المعلمين العالية حتى تخرجها فيها عام 1950 بعد أن كانت لقاءات الإبداع والتجديد وظهور مجموعة من الأديبات اللواتي شكلن شعرية موازية للقطب الآخر (الرجل) منهن (نازك الملائكة وعاتكة الخزرجي وفطينة النائب وصبرية 
الحسو..). 
لميعة عباس عمارة صورة المرأة الرافضة لواقع يقتل الذات النسوية المبدعة.. بدأت تحس بحريتها وتحركها نتيجة لما أفرزته الحياة، فولدت عندها نفس حساسة وروح تواقة الى الأجمل والأروع والأسمى.. فالعصر حقق لها وجودها فمنحها حق التعليم والعمل لكنه لم يحررها للتعبير عن مكنونات نفسها بل كانت تغلفها بالمعنى القريب.. فقد عبرت الشاعرة في بعض قصائدها عن عواطفها مع كثير من التحفظ المطوق بالكبرياء وحب الذات فظلت عواطفها مرتبطة بالبيئة خاضعة لعرفها الاجتماعي.
لميعة عباس عمارة.. كانت ثورتها التجديدية (الشعرية والاجتماعية والسياسية..) مكتظة بمضامينها الانسانية.. كونها انسانة متفاعلة مع واقعها تطمح إلى دفع عجلة التطور إلى أمام.. لأنها عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد 1958 - 1963.
وهي عاملة في سلك التعليم كمدرسة لمادة اللغة العربية في الإعدادية المركزية للبنات ومن ثم نائبة الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس 1973 - 1975.
بعدها هجرت العراق نتيجة الأوضاع السياسية المريبة.. واستقرت في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الاميركية  وترأست تحرير مجلة  (مندائي).. لأنها تعي أن الفن لا يقف عند حدود التعبير العاطفي والتسلية بل يسهم بشكل فاعل في خلق القيم والذات والواقع بشكل لا يعرف السكون ولا 
الحدود.
لميعة عباس عمارة العراقية الأنيقة الوفية لبغداد حملت حقيبة الارتحال وارتحلت محلقة في فضاءات الارض البعيدة بعد أن سطع نجمها وظل معلـقاً في سماء الأدب عبر دواوينـها ونتاجـها الذي لا ينضـب.
لميعة عباس عمارة نظمت الشعر بالعامية في سن مبكرة تماشياً مع المحيط وأول نظمها كان الابوذيـة والقصيدة المغناة التي تسربت الى الاذاعة وغناها عدد من المطربين منهم فرج وهاب الذي غنى لها (درويش انه ﭽنت زادي العشب والماي) وفاضل عواد غنى لها (اشتاكلك يا نهـر يا لـبردك الجـنة) وغنى سعدون جابر (أرد أسألك: وبحسن نـية محلفـك بالله تـرد).. وفي كل هذه الأغاني لم يذكر اسمها كشاعرة للنص .
ـ لميعة عباس عمارة تمثل نرجسية الأنثى التي تتلذذ برؤية عشاقها فهي شخصية مرهفة الحس جاذبة عاشقة للجمال...لذا فالحب عندها لا ينحصر ضمن دائرة ذاتية وإنما يمتد إلى أفق عام لا يعرف الحدود..
فهي تقول: 
يول اشلون الك ركبة ولك طـول
ولـك هيبة التيسرني ولك طـول
اكل اليل المسامـر ولـك طـول
مثل ليل الكطه ﭽلـﭽل علي.
أما آخر نتاجها بالعامية فهو (أهازيج مندائية) منها: 
أمبارك دهفه ديمانه (التي تعني عيد ميلاد النبي يحيى (ع) عند الصابئة..
مبارك دهفه ديمانه 
وماري ايبارك المندي
ويحفظ هذي الديانه مبارك دهفه ديمانه).
فسلاماً للإبداع الذي غنته الشفاه وتلذذت به الروح.. وربطة العنق الحمراء التي ستبقى شاهدا على الاناقة والجمال.