معرض الكتاب

الصفحة الاخيرة 2021/06/19
...

جواد علي كسار
 
ما إن خطوت الخطوة الأولى في قاعة «زهاء حديد» حتى تأكدت بأن مخططي قد انهار. فقد اخترت فترة ما بعد الظهيرة، لأول زياراتي إلى الدورة الحالية لمعرض بغداد الدولي للكتاب.
كنت أظن أن القاعات الأربع تشهد ساعات الظهيرة خلوة نسبية، تُتيح لي الحركة بهدوء، لكن سرعان ما تهاوت هذه الظنون غير مأسوفٍ عليها، بعد أن امتلكتني بهجة كبيرة لكثافة الحضور في القاعة الأولى، هذه الكثافة التي تحولت إلى زحمة شديدة أحياناً، في صالتي الراحلين علي الوردي ومصطفى جواد، وإلى زحمة شديدة تشبه الاختناقات المرورية في عاصمتنا أثناء الذروة، في قاعة أبي نواس، بمناسبة توقيع صديقنا العزيز د. نوفل أبو رغيف، لكتابه الجديد: «السياسي والمعرفي: إشكالية العلاقة وجدل القيادة ما بعد التحوّل في العراق».
على ذكر الجدل لكن بعيداً عن المعنى الذي قصده أبو رغيف، فأنا شخصياً تجتمعُ عندي جدلية الحب والكراهة، وأعيشهما على سطح واحد مع معارض الكتاب، في بغداد وسواها. الحبّ، بدافع معرفي وشوق يأخذ بيدي لقضاء ساعات طويلة، قد تستغرق أحياناً اليوم بأكمله، لمعرفة الجديد والتليد من الكتب مما لم أطّلع عليه. فلرؤية الكتاب وتصوره عن قرب، لذّة عندي تُنعش النفس وتحرّك بهجة الداخل، وهي تضع بين أيدينا ثمار العقول.
أما الكراهة التي تنقلب أحياناً إلى بغض؛ تحديداً عندما أعجز عن شراء الكتاب الذي أريده أو أرغب به، فتعود إلى الأسعار الباهظة لا سيّما في السنوات الأخيرة، بالأخص لبعض الدور الذي يبدو الناشرون فيها، وكأنهم في عناد بل حرب مع القارئ والمثقف والباحث، بإصرارهم على أثمان مرتفعة لكتبهم، هي في الغالب أسعار غير مقبولة، بل ولا معقولة حتى في المقياس التجاري، المكوّن عادةً من قيمة الكلفة، ونسبة من الأرباح المعقولة القائمة على قيمة المثل، ولو شئت لسمّيت الكثير من هذه الكتب الغالية من دون مبرر، إلا تحويل المعرفة إلى سلعة مع الأسف!. 
من تجاربي في معارض الكتاب، رأيتُ بعض البلدان تُخفف غلواء الأسعار بدعم الدولار، فينخفض سعر الكتاب. ورأيتُ بعضها يقدّم دعماً ببطاقات شراء خاصة للطلبة الجامعيين، كما رأيت من يقدّم دعماً مباشراً للكتّاب والباحثين والمؤلفين والأكاديميين. 
كلّ هذه وغيرها مبادرات محمودة تستحقّ الشكر، لكن الطريق الأقوم برأيي هو خلق بيئة موائمة لإنتاج المعرفة، لكي ينخفض سعر الكتاب.