القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
لا شك أن التحول الحضاري والتقدم الذي اجتاح العالم في العصر الحديث أحدث تغييرا ملموسا في نوعية الجرائم والمجرمين، فبعد أن كانت الغلبة للجرائم القائمة على العنف والقسوة، أصبحت الغلبة للجرائم القائمة على المفسدة الذهنية والذكاء، وتعد التقنيات الحديثة الانترنت واجهزة الاتصال الحديثة إحدى نتائج التحول الحضاري والتقدم، الذي اجتاح العالم في العصر الحديث، فهو عالم ضخم ومتنوع،عالم لا تحده الحدود الجغرافية وان ما يميز العصر الحالي عن غيره من العصور هو ما نشهده اليوم من تطور مثير في المجالات التكنولوجية، الامر الذي انعكس على مجمل مجالات الحياة.
وقد أسهم هذا العالم في انتاج وتطوير العديد من السلوكيات الاجرامية ذات الاثر البالغ على حياة الافراد والمجتمع ومن نتائج التطور ظهور ادوات واختراعات وخدمات جديده وظهور نوع جديد من المعاملات الالكترونية وظهور نوع جديد من الجرائم وهي جرائم الكوب يوتر وهي ظواهر اجرامية تقرع اجراس الخطر لتنبه مجتمعنا عن حجم المخاطر والخسائر التي يمكن ان ينتج عنها، خاصة انها جرائم ذكية تنشا وتحدث في بيئة الكترونية، او بمعنى أدق جرائم رقمية يقترفها أشخاص مرتفعو الذكاء ويمتلكون ادوات المعرفة التقنية، ما يسبب خسائر للمجتمع ككل على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والامنية
والثقافية.
وتعد الجرائم الالكترونية هي النوع الشائع من الجرائم، اذ انها تتمتع بالكثير من المميزات للمجرمين تدفعهم الى ارتكابها، وقد تكون الدوافع ربحية بحيث يسعى الجاني من ورائها الحصول على الاموال أو يكون الهدف من ورائها هو الرغبة في اثبات الذات وتحقيق انتصار على تقنية النظم المعلوماتية، او يكون الهدف منها الابتزاز او التهديد. فالجريمة الالكترونية هي كل أشكال السلوك غير المشروع او الضار بالمجتمع، الذي يرتكب باستخدام اجهزة الاتصال الحديثة الانترنت او الهاتف المحمول، وان الوسائل الفنية التي تستخدم لتدمير مكونات الحاسوب كثيرة ومعقدة. وتعد الفيروسات من الوسائل كثيرة الخطورة على الحاسب الآلي، وهي برامج مهاجمة تصيب انظمة الحاسبات بأسلوب يماثل الى حد كبير اسلوب الفايروسات التي تصيب الإنسان، وان الجرائم الالكترونية عادة ما يتم اكتشافها بالمصادفة، بل وبعد وقت طويل من ارتكابها. وهناك امور تعيق سلطات التحقيق اثناء ممارستها لا جراء التحقيق، منها اختفاء الاثر وغياب الدليل المرئي وصعوبة الوصول الى الدليل وسهولة محو الدليل او تدميره في زمن قصير، وفي الغالب لا يستخدم هؤلاء الجناة في دخولهم الى شبكة الانترنت اجهزتهم الخاصة وانما يلجؤؤن الى مقاهي الانترنت وازاء التطور الكبير في ارتكاب الجرائم الالكترونية، فان قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل لم يعد يتلاءم مع المعالجة الحقيقية للجرائم الالكترونية.
حيث إن قانون العقوبات يتصدى للظواهر الاجرامية في مختلف انواعها الا انه تبرز النصوص المتعلقة بهذه الجرائم الالكترونية. وهل ان النصوص التقليدية تكفي لتطبيقها على الجرائم الالكترونية، فعلى سبيل المثال واقعة السرقة المنصوص عليها في المادة 439 من قانون العقوبات، فقد عرفها المشرع العراقي بانها اختلاس مال منقول مملوك للغير عمدا.
فهل ينطبق وصف المنقول على المحتويات الالكترونية على اعتبار ان جرائم الاموال تخرج من حيازة المجنى عليه الى حيازة الجاني، بينما في الجريمة الالكترونية لا يشترط لتحققها خروج المعلومات من حيازة المجنى عليه، وانما تتحقق الجريمة حتى لو بقيت المعلومات في حيازة المجنى عليه كاستنساخ المعلومات والاستفادة منها لاحقا، كما ان القواعد المتعلقة بتطبيق قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل قد لا تنطبق على الجريمة الالكترونية ومنها الجريمة المشهودة، حيث ان الجريمة الالكترونية لا تظهر منها أي اشارات او معطيات مادية او حسية ومن أجل وضع المعالجات عملية لما تبرزه الجرائم الالكترونية يتطلب تقنين الجرائم الالكترونية من قبل المشرع العراقي، واضافة نصوص جديدة بعد النصوص التقليدية، لتشمل جميع الجرائم الالكترونية، منها جريمة الاحتيال الالكتروني والابتزاز الالكتروني والسرقة بواسطة الانترنت واستحداث قسم للجرائم الالكترونية على غرار الاقسام التقليدية، كجرائم الأموال ومن الضروري تشريع قانون مستقل بالجرائم الالكترونية يوضح فيه طبيعة الجريمة الالكترونية، والجرائم المستحدثة كجريمة الدخول غير المشروع الى المواقع الخاصة او استنساخ البيانات غير المشروعة من مختلف مواقع الانترنت والدخول في الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الجريمة الالكترونية، حيث تعد جرائم تقنية المعلومات من اكثر الجرائم التي تثير مشكلات تتعلق بالاختصاص على المستوى الدولي وذلك بسبب الطبيعة الخاصة بهذا النوع من الجرائم، التي تمتاز بقدرتها على التحرك في مجال فضائي واسع لا توقفه حدود الدولة وسيادتها الاقليمية، حيث تعمل الدول باستمرار لمواكبة التطورات في شأن امن الفضاء الالكتروني لوضع ستراتيجيات لمكافحة الجرائم الالكترونية.
كما من الضروري تعديل النصوص القانونية المتعلقة بالإثبات في قانون اصول المحاكمات الجزائية من خلال وضع اجراءات جنائية تنسجم مع طبيعة هذا النمط من الجرائم والاستعانة بالخبرات والتقنيات الحديثة، لكشف الجرائم المعقدة والوصول الى احسن السبل
لمعالجتها.