العنف الجنسي الأشرس في الصراعات والحروب

ريبورتاج 2021/06/20
...

  قاسم موزان
في التاسع عشر من شهر حزيران من كل عام، يستذكر العالم ضحايا العنف الجنسي خلال الحروب والنزاعات المسلحة، ويعد هذا العنف الاسوأ والاشرس في تاريخ الصراعات وضحايا هذه النزاعات من النساء، امعاناً في تمزيق النسيج الاجتماعي، وتترتب على تلك الممارسات آثار نفسية عميقة وصعوبة بالغة في اندماج المغتصبات بالبيئة المجتمعية والنظرة السلبية لهن. 
انتقام
وقالت استاذة الانثروبولوجيا في جامعة السليمانية الدكتورة جوان بختيار بهاء الدين بأن {جرائم العنف الجنسي تعد من اكثر الجرائم بشاعة ووحشية، وغالباً ما ترتكب ضد النساء والاطفال في فترات الصراعات والنزاعات المسلحة، وتمثل هذه الجرائم انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية كالاعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 3 التي تنص على أن لكل فرد الحق في الحياة و الحرية و سلامة شخصه، والمادة (5) التي تنص على انه لا يجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية او الحاطة بالكرامة، بالاضافة الى اتفاقيات جنيف 1949 و بروتوكولاتها}، ولفتت بهاء الدين الى أن {هذه الجرائم اقترنت عبر التاريخ مع النزاعات و الحروب وهي لا تخص النساء فقط، بل تؤثر في الاسرة والمجتمع بأكمله، من حيث أن تبعاتها الجسدية والنفسية والاجتماعية تمثل جرائم قائمة بحد ذاتها، كالتعرض للوصم الاجتماعي والاذلال والأمراض وصولاً الى الانتقام والقتل}. 
ومع وجود الاهتمام المحلي والدولي بهذا النوع من الجرائم إلا أن الكشف عن الكثير منها وسردها والحديث عنها يبقى طي الكتمان لاعتبارات الخوف والوصم والعار وتبعاتها المؤلمة، فمجتمعاتنا لا تزال تضع الاعتبارات الاجتماعية فوق الاعتبارات الفردية، وهذه الاعتبارات هي حجر الاساس للخروج من ألم الجريمة وآثارها من حيث توفير الامن الاجتماعي والنفسي للضحايا وتوفير الرعاية الصحية. 
 
ترهيب
الى ذلك قال الدكتور محمد فلحي استاذ الاعلام في جامعة بغداد: توفر بيئة الصراعات والنزاعات اجواء مساعدة للانتهاكات الجنسية، ويعمد المتنازعون عادة الى استخدام العنف الجنسي للترهيب او الانتقام او اشباع الغرائز المنحرفة، وهو يستهدف غالبا النساء والأطفال فهم في مقدمة ضحايا الحروب دائما وفي تاريخ العالم صور رهيبة عن العنف الجنسي، وأقربها الى ذاكرة الاجيال الحالية ما حصل في رواندا الافريقية ويوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي، ولكن جرائم  عصابات داعش الارهابية في العراق وسوريا تبقى الأكثر بشاعة، لأنها اتخذت من مبادئ الدين الاسلامي الحنيف وتفسيراته المشوهة وسيلة لتسويغ الفظائع الجنسية ضد الاقليات غير المسلمة وبالأخص الايزيديين والمسيحيين خلال سيطرة عناصرها على مدن وقرى عراقية متنوعة السكان، كان اهلها يعيشون بسلام وتسامح منذ مئات السنين، وهذه الجرائم استفزت كل ضمير وصدمت مشاعر المسلمين قبل غيرهم، ولكي لا تتكرر هذه الجرائم ينبغي العمل في ثلاثة مسارات، اولها معاقبة المجرمين وفق القوانين الرادعة وملاحقة المتهمين محليا وعالميا وتقديمهم للعدالة، وثانيا وضع برنامج وطني لمعالجة الآثار النفسية والاجتماعية وانصاف الضحايا وخاصة من النساء، واعادة دمجهن في الحياة الاجتماعية الطبيعية الآمنة الخالية من الصراعات المسلحة، وثالثا تنظيم جهد اعلامي توعوي وتربوي واخلاقي وديني يبين خطورة هذه الجرائم وتجنب تكرارها في المستقبل تحت اية ظروف او مسوغات.
 
سبي
النساء في الحروب والنزاعات هن الحلقة الاضعف ويتعرضن الى الاغتصاب و الحمل وانواع العنف النفسي والجسدي والجنسي، هذا ما اوضحه الباحث في الشأن الايزيدي والناشط في مجال حقوق الانسان وبناء السلام والاقليات بسام سالم النيساني، مشيراً الى حقبة داعش المريرة، حين تعرضت النساء والفتيات الايزيديات الى ابشع نوع اضطهاد عرفته الانسانية من قمع واذلال وسبي وبيع في سوق النخاسة في الرقة السورية على ايدي ابشع عصابات حاولت بكل الوسائل والطرق العمل على اذلال الايزيديات، وكذلك نساء وفتيات الاقليات الاخرى، واضاف النيساني {هذه الممارسات تعد انتهاكات وجرائم يعاقب عليها القانون الدولي، بوصفها ايذاء نفسياً وجسدياً للمرأة خلال النزاعات في العالم، وكان القرار الاممي 1325 حول المرأة والسلام والامن ينص على أن يكون هناك دور فاعل وحقيقي للمرأة في ادارة النزاعات وحفظ السلام قبل وبعد واثناء النزاعات وهذا يتم من خلال مساندة المجتمعات الدولية والمحلية للمرأة، ومن هنا كانت للمرجعية الدينية الايزيدية الفتوى المتعلقة بالمساندة الفعلية للنساء المتحررات من قبضة داعش، وأن يكون لهن دور فاعل وحقيقي  في المجتمع من حيث الاندماج الفعلي، وكان للدعم المجتمعي والمرجعي الايزيدي للنساء الايزيديات المتحررات من قبضة داعش اثر في أن يكون لهن دور حقيقي في الدفاع عن حقوق الانسان والمشاركة في المؤتمرات الدولية للدفاع عن النساء، وتعزيز السلم المحلي والدولي ومثال على ذلك نادية مراد الحاصلة على جائزة نوبل للسلام وغيرها من النساء}.‏
 
استضعاف
المتخصصة في العلوم النفسية نهى نجاح عبدالله، قالت {عندما يكون العنف الجنسي مرتبطاً بالنزاع فان دافعه في الغالب ليس الرغبة الجنسية، وانما يرتبط بالاستغلال والنفوذ وفرض السلطة، ومع ان المتعارف عليه أن الفتيات والنساء هن من يتعرضن لأشد حالات الاستضعاف والاستغلال، لكن الفتيان والرجال يقعون أيضاً ضحايا للعنف الجنسي، الذي قد يرتكبه جناة من فئات متنوعة، كالموظفين الحكوميين واعضاء جماعات مسلحة منظمة من غير الدولة، او افراد قوات حفظ السلام او اعضاء في شركات امنية وعسكرية خاصة او يكونون افراداً عاديين، وغالبا لا يُرتكب العنف الجنسي بمعزل عن الظروف المحيطة بالضحية لكن تصاحبه انتهاكات اخرى مثل القتل غير المشروع، وتجنيد الاطفال، اضافة الى تدمير الممتلكات وسرقتها، ومع ذلك تبقى الفتيات والنساء هن الفئة الاكثر تعرضاً له وعلى مر العصور، ويزداد استضعاف النساء اثناء النزاعات المسلحة، سواء كانت أرملة او مطلقة، او نازحة او مهجرة داخلياً، وفي كل الحالات تكون مخلفاته وتبعاته معظمها مدمرة إن لم تكن جميعها على الضحايا أنفسهن، بسبب آثاره السلبية النفسية والبدنية والاجتماعية والاقتصادية وما يترتب على ذلك فيما بعد، وكذلك على اقارب الضحايا الذين قد يواجهون مشاعر الصدمة والاحساس بالذل والاهانة لشعورهم بالعجز عن حماية أقرب الناس إليهم، وقد يكون له عواقب على المجتمعات المحلية بأكملها حينما يبث مشاعر الخوف والقلق والفزع ويدمر النسيج الاجتماعي}.
 
تجارب مروعة
في هذا السياق أوضح الاستاذ في جامعة دهوك والمهتم بقضايا السلام زيرفان امين {ان الاساءة الجنسية للنساء في النزاعات مثل الاغتصاب والاستعباد من الامور المهينة جداً للمرأة، وهي تجاوز صريح وصارخ لحقوق الانسان وموجود في كل سياقات النزاع، وقد مر العالم بتجارب مريرة جداً، فالتاريخ الموثق يشير إلى عدد كبير من تلك التجارب السيئة الصيت، كالتجربة الالمانية بعد الحرب العالمية الثانية، والتي خلفت ملايين الضحايا من النساء وتجربة البوسنة والهرسك من قبل الجيش الصربي في المدن ومخيمات الاعتقال والثكنات العسكرية، وتجربة داعش في سنجار والاعتداء جنسياً على الاطفال والنساء الايزيديات واستعبادهن وبيعهن، والاتجار بهن، وغيرها من الامور التي تعتبر محرمة دولياً}. 
وأضاف امين {تشير الابحاث والدراسات المتخصصة إلى أن أطراف النزاع تلجأ الى تلك الاعتداءات الجنسية لاسباب مختلفة، ولكن الاسباب الاكثر شيوعاً هي: الفتك بالطرف الآخر وهتك حرمته، وكسر شوكته نفسياً ومعنوياً، كاسلوب وحشي من اساليب الحرب، وهو جانب من الحرب النفسية ضد (العدو) لبث الذعر في نفوس أفراده، وجرت محاولات كثيرة لتجريم تلك الافعال، اذ ان هناك نصوصاً قانونية تحرم اللجوء الى تلك الوسائل وذلك في اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949 وبروتوكوليها الاضافيين، سواء في النزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية، اضافة الى القانون الدولي الانساني العرفي، وقد ركز قرار مجلس الامن التابع لهيئة الامم المتحدة رقم 1325 الصادر سنة 2000، على حماية النساء أثناء النزاعات المسلحة وبعدها، لكنه يفتقر كغيره من القرارات والاتفاقيات الدولية الى آليات تنفيذية لمنع ارتكاب تلك الافعال}، لافتا الى أن القانون الدولي لحقوق الانسان أيضاً يضفي حماية كافية ضمن إطار تكميلي للقانون الدولي الانساني لجملة من الحالات التي تخرج عن نطاق القانون الدولي الإنساني، كحالات العنف الاسري والذي يرتكب من قبل أفراد الاسرة نفسها، والعنف الذي يمارس من قبل الشريك الحميم، والتي تدخل ضمن الالتزامات الايجابية للدول وذلك وفق معاهدات حقوق الانسان كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وغيرها.
 
غنائم
ورغم اسباغ القانون الدولي الانساني حماية قانونية خاصة للنساء والفتيات والمتزوجات والحوامل والاطفال وغيرهن، إضافة الى حماية عامة كأفراد مدنيين، إلا أن أطراف النزاع المسلح في كثير من الاحيان تلجأ إلى هذه الوسيلة لضرب الطرف المقابل، لتحريض جنوده وتشجيعهم على الحرب والقتال لينالوا ثواباً مغرياً من الغنائم والسماح لهم بممارسة العنف الجنسي ضد الطرف الاخر وخصوصاً النساء، أي أنه لا تتم ممارسته من فراغ، بل تتم ممارسته بديناميكية واسعة مرتبطة بالنزاع، والنظرة الدونية، وضرب العدو، والتطرف الجنسي، وانهيار سيادة القانون، وضعف الآليات الدولية، لذلك تستغل أطراف النزاع الثغرات القانونية، وضعف الآليات الدولية لتوثيق تلك الحالات، وضعف آليات المعاقبة والعدالة الجنائية والعدالة الانتقالية خاصة في مرحلة بناء السلام، ورغم ارتكاب تلك الافعال بشكل واسع ومنهجي، إلا أنه لم تتم مقاضاة الجناة بالشكل المطلوب في المحاكمات الدولية وحتى الوطنية أيضاً (وفق مبدأ التكامل القضائي) كي يكون ردعاً للجناة وزجراً لمن تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم بحق الانسانية واختتم كلامه بالقول {لا بد من تفعيل القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، وتفعيل الآليات الدولية الخاصة بمسألة العقاب، وفرض الجزاءات الاقتصادية والمالية والسياسية والملاحقة القضائية للجناة والمحرضين لهم}.