نازك الملائكة الحدس الأنثوي والقناع الثقافي

ثقافة 2021/06/20
...

 د.علي متعب جاسم
 
لم يعد مثيرا للقارئ أن نؤشر سمات الشعرية التي تميز نازكا بين إقرانها من أجيال الحداثة العربية، حتى وإن كان ذلك التأشير جديدا، فقد كتب نقاد وباحثون دراسات كثيرة جدا حول متنيها الشعري والنقدي، وذهبوا إلى ذلك اتجاهات شتى تعلي أو تحط بحسب منطلقاتهم ومناهجهم وما أرادوا أن يثبتوه. ما المثير إذن!. 
لعل الخطير في تلك الدراسات أن كثيرا منها كان متحمسا لفض الاشتباك عن أنثوية شعرها سواء بالإثبات أو التقليل والملمح الأساس الذي – افترض – الدخول من خلاله إلى ذلك هو ثنائية {الحدس الأنثوي والقناع الثقافي}. 
شعر نازك بشكل عام يقع بين هاتين الركيزتين، فهي لم تتخطَ ولم تعقد صلة بين ذاتها وبين العالم والأشياء إلّا من خلال حدسها الأنثوي وبالوقت ذاته كان وعيها الشعري أعمق وأظهر حضورا؛ لذا أنتجت قصيدتها بوعي يختلف عن حدسها وهو ما أسميناه اعتمادا على الغذامي بـ {القناع الثقافي} الذي ذهب متحمسا إلى أن ما قامت به نازك في اجتراح الكتابة الجديدة هو مشروع أنثوي من أجل تأنيث القصيدة. وهو هنا يثبت للوعي النسوي مكانة واسعة، إذ هو يولي طريقة الكتابة و "تكسير العمود الشعري {الأهمية القصوى، على حساب الرؤية في الكتابة التي نؤسس لها من مفهوم بورديو "الحدس 
الأنثوي}. 
ولئن كان الحدس ليس موضع استدلال كما حدث في قراءت الكثيرين فإنه بالضرورة يستدعي معايشة التجربة، إنه موضعها تحديدا، هذا من جانب، ومن جانب آخر فما لم يُلتفت إليه عند فريقي المتحمسين لأنثوية النص الشعري أو الواقفين بالضد، إن الأنثوية صناعة ثقافية تفترض لها رؤية وهو ما يعني أنها لا تتقاطع مع الحدس، ولكنها قد تتضاد معه وهذا ما نراه في خطاب نازك عموما ومنه الشعري. 
ولكن ما الحدس الأنثوي؟. 
يشير دارسو نازك إلى أنها لم تتخطَ بعيدا الثوابت الثقافية بل انصاعت إليها في إنتاج نصوصها، واعية إلى ذلك أم غير واعية، لكن الحدس الأنثوي مسألة أخرى، إنه وفقا لبورديو شكل من الوضوح الفريد للمَهيمن عليهم {يشجع أو يجبر على الانتباه والانتباهات وعلى المراقبة والتيقظ  من أجل استباق الرغبات أو استشعار
المضايقات}. 
وهذا تحديدا ما يظهر في عموم خطاب نازك "الشعري والنقدي أيضا فعلى الصعيد الثاني منه نشير إلى مثال واحد تتكرر صوره كثيرا، ففي حين تُظهر ولاءها المطلق لقيم الثقافة الذكورية من خلال اعتراضها على تقديم الضمير المؤنث على المذكر في نقدها للمهندس، تشير أيضا في كتابها {التجزيئية في المجتمع العربي} إلى حرمان المرأة من حقوقها حتى {قيمتها الإنسانية} هذا التعارض هو {انتباهات} الحدس الأنثوي التي تتعامد مع وعيها الثقافي. وعلى الصعيد الأول وهو المهم يمكن أن نلاحظ في قصيدة {مر القطار} هذا التعامد بين الوعي 
والحدس. 
إن العلاقة التي تتشكل داخل النص هي رؤية وجودية عامة للإنسان، لكن تأثيث الرؤية كان بمغذيات الحدس الأنثوي، ويظهر هذا من خلال ثلاث علاقات لثلاث دوال أساسية هي {الذات  – الزمان – المكان}  إن تحليل طبيعة العلاقة بين هذه الدوال هي النافذة لالتقاط طبيعة الحدس الذي ينتظر القارئ للكشف عنه. فالذات تدخل بعلاقة جدلية مع كل منهما وسنلاحظ أن التقاطع الزمني {اللحظة الحاضرة ثم اللحظة المستقبلية} تتحد مع المكان المستقر {المحطة} والمكان المتحرك {القطار} ليصلا إلى نقطة مركزية واحدة تتحد بالذات أي {بالرؤية الأنثوية} التي تنتهي بإطلالة {الوعي}الذي ظهر بصفة الحارس الخفير" عبر النافذة، وهي الدلالة الأهم على ما ذهبنا 
إليه.