مهند الهلالي
اعتاد الانسان ومنذ بدء تكوينه، على اختلاف مستوى الادراك الذهني والحسي، على تقديم مصلحته بشكل لا ارادي وغرائزي احيانا في بداية تكوينه، فشهد انتقالات مرحلية سايكولوجية وأخرى ايديولوجية بهذا الصدد، حتى وصل الى ما هو عليه الآن ضمن هذا المحدد الذي نحن في سياق الحديث عنه.
إنَّ تفكير الانسان بمصلحته والقتال في سبيل الحفاظ عليها من اي خطر يداهمها مستخدما شتى انواع الاسلحة الممكنة، ما هو الا دافع لا ارادي خلق مع الانسان، غير ان هذا الاخير قادر وحسب مستوى ادراكه وايمانه بعمق صفاته الاصيلة، على ان يتحكم به ضمن ايقاع يقوده الى احد خيارين، احدهما صالح والاخر نقيض
ذلك.
وحتى نكون واضحين اكثر ويمكن لرسالتنا الولوج الى اكبر عدد ممكن من القراء، ارتأينا ان نخصص حديثنا بمحدد معين ضمن هذا الموضوع، ألا وهو كيفية التحكم بهذه الغريزة وجعلها منطلقا للنجاح والتمسك بفرص الحياة التي تقودنا للتميز وتحقيق ما نصبو
اليه.
ان التحكم بهذه الرغبة لا يكون عبر كلام او مجرد تناول للاحاديث هنا او هناك، او الاعجاب بشخصية ما ومحاولة تقليدها، انما يأتي عبر اجراءات وآليات متبعة من المعني للوصول الى الهدف المنشود، ألا وهو السيطرة التامة على مشاعره ورغباته المتعلقة بتقديم اولوياته الستراتيجية على الاخرين، وان تلك الاجراءات تبدأ مقدما بالوعي والادراك والايمان المطلق بأن مصلحة الفرد دائما ما تكون جزءا من مصلحة جماعة ما، اي بمعنى ان اية مصلحة شخصية لا يمكن بأي شكل من الاشكال ان تكون محددة لشخص واحد، بل انها تتشارك مع اخرين يتمتعون بالحاجة نفسها لنيلها والتمتع بها، وان اكتسابها سيخلق حالة من الابداع لدى مجموعة كبيرة من الناس تشارك الشخص المعني الهدف
نفسه.
وبالتالي فإن هذا يقودنا الى المرحلة الثانية من تلك الاجراءات التي نسعى الى ايضاحها، وهي الانتقال من مصلحة الفرد الى مصلحة جماعة ما تتشارك اهدافه نفسها، ومع تعدد تلك الجماعات، فأننا بالتالي سنكون امام مجموعة من المصالح لجماعات مختلفة، هنا سنتوقف لوهلة.. فهل يمكن بناء مجتمع سليم بتقاطعات استراتيجية لمجاميع بشرية تعيش فيه؟، الجواب واضح وصريح، وهو ان ذلك مستحيل، فما هو الحل؟، الحل هو ان نحاول تذليل العقبات المتناقضة وتجميع المشتركات بين هذه المجاميع للحصول على رتبة مجتمعية اعلى من المجموعة البشرية الضيقة، وهي تكوين مجموعة بشرية كبيرة تعيش على ارض واحدة وضمن مجتمع واحد، تتشارك بالمئات من المصالح المجتمعة لابنائها، وتبقي المصالح الخاصة ضمن درجة ثانية لاولوياتها، بهدف الحفاظ على الكم الاكبر من تلك المصالح، وهو الذي تم تكوينه ضمن المجموعة الكبيرة، اي بمعنى ان الانسان لا يمكن له الحصول على كل ما يبتغيه دفعة واحدة، وعند ايمانه بهذا العجز فأنه لا بد من اتخاذه منهج التفضيل، اي تقديم الاهم على المهم وصولا الى الاقل
اهمية.
إن الوصول الى حالة الايمان بأن مصلحة الفرد لا يمكن تحقيقها بشكل منفرد من دون مشاركة اخرين بها، ثم الايمان بضرورة التخلي عن بعض الرغبات لصالح اولويات اهم لضرورة مرحلية مكانية او زمانية معينة، يمثل بداية نموذجية لمجتمع تسوده درجة عالية من الثقافة الجمعية التي لو تحققت في شعب ما فأنها حتما ستقوده الى ناصية التقدم والرقي والرفعة، وايضا التميز بين اقرانه من الشعوب المجاورة او شعوب المعمورة
الاخرى.
اذن فنحن امام اختبار مهم يقودنا اذا ما نجحنا فيه، الى تكوين شخصية انسانية متقدمة في صفاتها الذاتية، يباركها الرحمن جل وعلا ويثني عليها مجتمعها، بينما تقودنا الشخصية العصبية المتمسكة بمصلحتها الخاصة وغير المكترثة بما يدور حولها الى حالة من النفور عنها من مجتمعها، وحالة من الغضب الإلهي عليها، عندها نكون قد خسرنا مرتين، الاولى خسارتنا دنيانا التي عشنا فيها اغرابا وسعينا فيها الى زوال، والثانية خسارتنا آخرتنا التي ابتعدنا عنها بسبب انانيتنا، وكون ان الباري تباركت قدرته قد علمنا انه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وتذكيرا بهذا المبدأ المقدس لا يفوتنا تبيين ان حديثنا لم نقصد من خلاله ابدا القضاء او محاربة احدى الصفات الاصيلة غير المكتسبة لدى الانسان كما اشرنا سلفا، إلا اننا اوضحنا سبل السيطرة على هذه الصفة وتحويلها من غريزة شيطانية الى مسعى انساني إلهي
مبارك.