الذاكرة ممتلئة

الصفحة الاخيرة 2021/06/21
...

عبد الهادي مهودر
عبارة الذاكرة ممتلئة تواجهني كل يوم تقريباً وأستعين بصديق «رقمي»، لكن كل الصور والذكريات والتطبيقات والگروبات عزيزة، والهاتف النقال (الموبايل) جهاز ذكي فعلاً يحثنا على تفريغ الذاكرة ورميها في مكانٍ بعيد وتخزينها في اقراص صلبة او فلاشية او سحابية، والذاكرة في العالم الواقعي تجرنا الى الوراء وتوقظ الجروح النائمة والخصومات التاريخية البعيدة التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل ولا حصة من الغنائم التي تقاسمها اجدادنا المنتصرون على اجدادنا المندحرين في حروب الكر والفر، فالذاكرة نفسها تلاحق المهزوم حتى تبرد ناره ويثأر ويستعيد اعتباره، والذاكرة هي المحرض الأول الذي يمنع الأجيال وورثة الانتصارات والهزائم من الالتقاء في الحاضر والتخطيط المشترك للمستقبل المشترك، وخزين الذاكرة يبقينا في منطقة الذكريات المتنازع عليها، ويجبرنا على العيش في الماضي وعند حلول ذكريات مناسباتها الألفية والمئوية والسنوية، وليس كل ما في الذاكرة تجارب صالحة للاستنساخ وانما هي عِبَر ودروس ونجاحات نأخذ منها، واخطاء نتجنب تكرارها، ومشكلتنا في خزين الذاكرة الكبير القريب والبعيد الذي لا يمكن تفريغه والتخلص منه، وهذا الخزين لدى الكثيرين هو المرجع والخلفية الثقافية والمنطلق والدافع الذي نخفيه احياناً وعبثاً بغطاء الانسانية والوطنية، فنحن وبشكل تلقائي نفسر الحاضر بعين الماضي وندافع عن الماضي بانحياز وتعصب وكأننا عشنا فيه وشهود عيان على رجاله واحداثه، والقوى السياسية هي وليدة هذا الشعب، وهي الاخرى ذاكرتها ممتلئة وتعمل بأثر رجعي وبقوة نابض الإرجاع وكل تفكيرها مشدود الى الخلف ومن دون 
استثناء، والذاكرة هي العائق نفسه الذي جعل هذه الأمة المستوردة الأولى من دول العالم المتفرغة للاختراعات والاكتشافات وصافية الذهن مثل التلميذ الشاطر الطموح الذي يركّز في دروسه ولا يلتفت الى الوراء وعينه على السبورة .
نحن اليوم جنود أشاوس في معارك تاريخية سابقة، ربما لو كنا نعيش ايامها لكنّا أول (الفرارية) والمتمردين الهاربين من الخدمة، لا ندعو الى محو الذاكرة لكننا ندعو الى تخزينها في مكان ما يجعل حياتنا تستمر واجهزتنا تعمل بشكل افضل، ولولا أن ذاكرة جهازي ممتلئة لأهديتكم رابطاً لموال واغنية (دكتور جرحي الاولي عوفه جرحي الجديد عيونك تشوفه).