الفعل الثقافي.. حوار المعرفة

ثقافة 2021/06/21
...

  حبيب السامر
 
قد تلفت نظرنا بعض شعارات ومحاور مهرجانات وملتقيات تقام هنا وهناك، لكن ما يثيرنا أكثر هو ترجمتها الى سلوك ونظام عمل تخرج بها مقررات وبيانات تلك الملتقيات في نهاية انعقادها.. عندما ننصت الى الفقرات المنفذة بوقتها الدقيق، وحرص القائمين على بلورة معطيات كل ما طرح خلال فترة قصيرة. 
 كيف وأنت في مدينة تسحرك مناظرها، وتبهجك طبيعتها الجغرافية والمناخية، حتما تتوالد في دواخلك الأفكار والرؤى وأنت تجد الحياة تفتح أبواب الثقافة أمام الجميع، على الرغم من الأزمات المتداخلة والمتشعبة بأجوائها الاجتماعية والثقافية، وتحاول أن تكسر الجمود الذي لازم الجميع بفعل فيروس دخيل شتت التجمعات وأغلق أبواب المنتديات والجلسات.
مع كل هذه التراكمات التي خلفها رعب كورونا البغيض، لكننا نجد أن بعض المؤسسات الإبداعية قد تحدت وتجاوزت محنتها، وآمنت بأن الحياة لا بد أن تستمر وتنتصر على كائن صغير، مجهول.. هذا ما فعلته إدارة مهرجان «كلاويز» باستقطابها عشرات الأقلام المبدعة التي أثبتت جدارتها وعمّقت تواصلها من أجل تجديد الابداع ورسم مديات واسعة للعمل البنّاء وفق خطة مدروسة والتزام بقواعد السلامة المهنية.
فعلا.. ينتبه الحاضر الى أجواء هذا الفعل الثقافي المميز إلى سمة مهمة وحالات ثقافية تحسب للمعنيين بهذا الجو المفعم بالحوار والتنافس الإبداعي، إذ لم تكن الفعاليات محصورة بالأسماء المحلية بل تعدتها الى تلاقح معرفي بين اللغات واللهجات المتعددة.. بدعوتها الى أصوات أدبية ومعرفية تتسم بانفتاحها على العالم، وتواجد ثقافات متعددة من بلدان شتى، بأصوات من تركيا وأرمينيا، ألمانيا، فرنسا، وأغلب دول أوروبا، وإيران. حتما تجد بعض الدول العربية متواجدة وبقوة أيضا.. هذا التنوع المعرفي أكسب المهرجان صفة التعددية الجميلة. 
إذ لم يقتصر وينحصر البعد الثقافي بمشاركات أدبية وفنية ومعرفية بل تركت الأبواب الإبداعية مفتوحة لجميع المبدعين، وسعت بكل حرص على استقطاب الأصوات الثقافية الشابة كي ترسم لحضورها هالات التواصل مع الرواد في حقل المعرفة.
وما يلفت النظر أكثر هو منح المهرجان الجميع الحرية المطلقة بأشكالها وألوانها المتعددة، وفتح النوافذ أمام التنوع الاجتماعي، وحرص على تكريم الأسماء اللامعة والبارزة التي لها بصمتها المميزة.. من خلال تقديم جائزة في كل دورة، وخصصت 
الجائزة في دورتها الأولى للشاعر أدونيس عام 2009، ثم توالت الجوائز لتمنحها الى الروائي الألماني من أصل كردي (شيركو فتاح) عام 2014، 
وبعد عام منحت الجائزة في دورتها الثالثة الى الشاعر الألماني فولكر 
براون.
لقد اختارت لجنة المهرجان محورا فاعلا ومؤثرا (حوار إزالة الأقنعة) ليتناقش الحاضرون بمختلف ثقافاتهم التي اتفقت على أن الأقنعة تعني الخداع، التخفي، طمس الحقيقة.. لذلك جاءت الحوارات مشبعة بالرؤى ووضع أصابع اليد على مباضع الجرح، لتقول قولتها.. وتشخص الخلل بدقة رؤاها ابداعيا وثقافيا وأدبيا.. 
مثلما تواجدت القصائد والقصص القصيرة والحوارات الهادئة تصاعدت الايقاعات والآلات الموسيقية لتكسر فضاء الهدوء ليتغنى الجميع على أنغام الحياة، قصائد عربية وفارسية وكردية بعد كلمات متعددة وعديدة للقائمين على المهرجان والمدعوين والشخصيات البارزة.
المحاور النقاشية التي شاركت فيها أسماء أكاديمية وبحثية مهمة، تناولت محاور عدة، تنوعت في دور الأسطورة في خلق الإنتاج الأدبي والفني، النظرية ودورها في النقد الأدبي، والسينما، وكتابة النص المسرحي، الجوائز العربية وفضاء الرواية... غربة الفرد والصراع الطبقي في فيلم (الأزمنة الحديثة)، مفهوم ديفيد هيوم للدين مدعوما من فهم كتاب الحوار في الدين الطبيعي، وخرجت الفعاليات من أجواء القاعات المغلقة لتنفتح على الحدائق والساحات بتنظيم حفل توقيع 
لبعض كتب لأدباء مميزين، وإقامة معرض الكتاب لعدد من دور النشر العراقية.