لكُلّ حَدَثٍ قافية

ثقافة 2021/06/21
...

 حسين الصدر
 
- 1 -
الشعر ديوان العرب، وهو الخبزُ اليومي لشرائح كبيرة من أبناء اللغة العربية، وتجده ينعكس في أحاديثهم ومعاملاتهم وجُلّ شؤونهم الحياتية.
- 2 -
وكما يتعلم صبيانُنا اليوم (جدولَ الضَرْب) ليتمكنوا من ممارسة العمليات الحسابية، فإنّ الصبيان والفتيان فضلاً عن الشباب والكهول والشيوخ كانوا يحفظون من الشواهد الشعرية ما يُمكنُهم من استخدامها في محاوراتهم ومسامراتهم.
- 3 -
لقد كان لكلٍ منهم رصيدُه الخاص، وكما تختلف أرصدة الناس في الأموال كانت تختلف أرصدتهم الشعرية، ومخزوناتهم منه.
- 4 -
وبقيتْ هذه الظاهرة الى وقت قريب، وخاصة في أوساط العلماء والأدباء، وكان بعض الآباء يُقدّمون مكافآت مالية مجزية لمن يحفظ من أبنائهم الشواهد الشعرية المناسبة ويحثونهم على الحفظ.
- 5 -
وكان الاذكياء الفَطِنُون يحفظون بعض ما يسمعونه متداولاً على الألسن من الاشعار من دون أنْ يعمدوا الى انتقاء الشواهد.
- 6 -
وللأسف الشديد فإنّ جيلنا المعاصر انشغل بوسائل التواصل الاجتماعي، ولم يَعُدْ مَعْنِيّاً بالتراث والأدب إلّا بشكل استثنائي، وفي حدود ضيّقة للغاية.
وهذا ما يؤسف له أشد الأسف.
- 7 -
قرأنا في التاريخ أنْ أحدهم رأى موهوباً يُبشّر بِوَضْعٍ واعدٍ فقال:
إنّ الهلال إذا رأيتَ سُموهُ
أيقَنْتَ أنْ سيصيرُ بَدْراً كاملا
وهو بهذا:
شجّع وبارك وأثنى على الموهوب مِنْ جانب، وأطلق البشرى بإضاءات والتماعات مهمة من جانب آخر.
وحين واجَه أصحابُ الحصانة والكياسة حسوداً سمح لشيطانِهِ أنْ يسلبه الحصانة الاخلاقية قالوا:
وفي تَعَبٍ مَنْ يحسدُ الشَمس نُورَها
ويجهُد مَنْ يأتي لها بِضَريبِ
(الضريب: المثيل)
والاستشهاد بهذا البيت هو بمثابة اللطمة الموجعة لمن فاه بحسده، وإخبار بما ينتظره من فشل مهما حاول وتطاول.
وحين يوجد مَنْ يتغافل عن الاصغاء للمناقب، ولكنه يسارع الى اصطياد المثالب يُقال له:
صُمٌّ إذا سمعوا خيراً ذَكرتُ بِهِ
وإنْ ذُكرتُ بِشَرٍ عندهم أذنوا
وإذا كان فينا اليوم من يُسارع الى اخفاء شَيْبِه والهرب منه، فقد كان هناك مَنْ يقول:
جزى الله شَيْبي كلَّ خيرٍ فإنّه
دعاني لما يُرضي الإله وحَرَّضَا
فأقلعتُ عن ذنبي وأخلصتُ تائِباً
وأمسكتُ لمّا لاحَ في الخيطِ أَبْيَضَا
وهكذا تنطلق القوافي مُذكرةً بوجوب الطاعة والاقلاع عن المعصية، وداعية الى تعجيل التوبة، وهكذا يوظّفُ الشيْبُ لصالح النقلة المطلوبة من خندق الغفلة الى خندق اليقظة والوعي والالتزام.